مصطفى القرەداغي
لست ضد خطوة أو فكرة ترشيح السيد فائق الشيخ علي نفسه لمنصب رئيس الوزراء، وتقديمه لأوراقه رسمياً الى رئيس الجمهورية وفق السياقات القانونية.
فأنا أرى أن الخطوة بها جرأة ليست جديدة عليه في وقت يُعد الفشل فيه إنتحاراً، وبها تحمل لمسؤولية تهَرَّب منها أغلب الساسة ومعارضيهم.
وأنا مع الفكرة بالتأكيد لأني سبق وأن أعطيته صوتي حينما كان مرشحاً كنائب عن التحالف المدني، وبالتالي لن أرفض ترشيحه اليوم كرئيس وزراء، لكن المهم ما هو رأي المتظاهرين أصحاب الثورة التي أزاحت رئيس الوزراء السابق! والذين يفترض أن تكون لهم الكلمة الفصل بإختيار بديله! وهل باتوا يرون كما نرى، بأن المرحلة الحالية والقادمة ستكون إنتقالية تحتاج الى شخصية وسط كفائق الشيخ علي مثلاً، تجمع بين العمل مع قوى السلطة الحالية ومعرفة طبيعتها وأساليبها.
وبين القرب مِن الشارع والتعاطف مع ثواره، وبالتالي يمكن أن يكون مُرَشّح تسوية بينهم وبين السلطة! أم سيبقى سَقف مَطالبَهم التي يُحَرّضهم عليها مؤدلجو الأجيال السابقة عبر تويتر وفيسبوك عالياً، حتى تمر المياه مِن تحت أرجلهم وتضيع الفرصة مِن بين أيديهم!
هنالك من يعترض على طول لسانه، لكني أراه طبيعياً مع طبقة سياسية ساقطة بغالبيتها لا يمكن مخاطبتها ووصفها سوى بأسلوبه، فبأي لغة يُمكن أن تتعامل مع نماذج وضيعة كحنان الفتلاوي أو المالكي مثلاً! علماً بأن ما يقوله فائق الشيخ علي من شتائم هو 20% مما يقوله أغلب العراقيين عن ساستهم فيما بينهم وفي جلساتهم الخاصة.
لكن حينما يصل الأمر الى فائق الشيخ علي يتحولون جميعاً الى قِدّيسين! البعض الآخر يعترض على قربه مِن الكويت، وهو إعتراض لا معنى له، لأني لا أرى ضرراً على العراق وإنما مصلحة له، في إصلاح وتقوية العلاقات مع جار شقيق ضعيف سَبق وإعتدى عليه العراق وإحتله ومَحاه من الخريطة.
في حين أرى ضرراً كبيراً على العراق بِعَمالة مَن يحكمونه اليوم لِجار غريب شَرس يَحتله ويَستبيحه، ولديه مشروع توسعي لإبتلاعه ومَحوه من الخريطة! بالمقابل الرجل قانوني ومدني ولديه باع لا بأس به في السياسة.
ورغم أنه لسان أكثر مِنه فِعل إلا أني أجده متصالحاً مع نفسه ومع الناس وقريب اليهم ويُمَثل لسان حالهم وقد يسعى لفعل شيء لهم، كما ليست لديه عُقد طائفية وعنصرية ومناطقية وإنما رؤية وطنية، وهكذا نموذج بات نادراً بين الطبقة السياسية الحالية، ويكفيه فخراً أنه الخصم العنيد للحنان الفتلاوي، وأن البرلمان العراقي الحالي الفاسد قد رفع عنه الحصانة، ومَن حكموا العراق منذ 1958 الى اليوم، وتحديداً بعد 2003، لم يكونوا أفضل أو أكثر أهلية منه إلا ما نَدَر.
لذا من حقه أن ينال فرصته كأي عراقي يجد في نفسه القدرة على أداء هذه المهمة، وبالنهاية قد ينجح أو يفشل!
يُحسَب لفائق الشيخ علي مسألتان أراهما أساسيتين بالحكم على الناس عموماً، والساسة العراقيين تحديداً، الأولى صراحته المفرطة، والثانية وطنيته الحقّة.
فهو ليس مُجاملا، ويُسَمي الأشياء بمسمياتها، وما في قلبه على لسانه بلا تزويق، لذا كان قبل 2003 الوحيد رُبما مِن بين مُعارضي صدام الذي يظهر على الفضائيات بشكله وإسمه الصريح منتقداً إياه بكل جرأة ثم أنصفه بعد موته، فيما كان يُخفي الآخرون وجوههم عَن الكاميرات ويُعَرّفون عن أنفسهم حتى على الورق بأسماء حركية.
وواصل جرأته هذه بعد 2003، فقد كان من بين قلة صمدوا بوجه المالكي بعد أن سقط كثيرون بوَحل فساده وإجرامه خلال سنوات حُكمه الثمان العِجاف، وإنتقد فساده وسياساته الطائفية والعنصرية، وشَخّص دور ايران التخريبي في العراق مُبكراً وسمّاها بالإسم.
أما وطنيته، فهو مِن القِلة التي لم تتحدث يوماً بخطاب طائفي وعنصري وإنما عراقي عابر للإنتمائات الفئوية، كما حافظ على مدنيته ووقف مع أخوته في الغربية بمِحنتهم مع داعش ومع السلطة ومليشياتها، وهو السياسي العراقي الوحيد الذي رأيته يبكي العراق وبغداد وشواخصها بصدق وحرقة وألَم، نعم رأيت ساسة يبكون ايران وفلسطين والبحرين واليمن وحتى نيجيريا، لكن لم أرى سياسياً عراقياً كفائق يبكي العراق وبغداد!.
في الختام الرجل ليست لديه ميليشيا ولا خلفه دولة، لتدعمانه وتقاتلان معه أو ليستقوي بهما ويتفرعن على الشعب في حال فشل ووَجبت إقالته، بل على العكس، ففي حال وصل الى المنصب كخيار للشعب، بإمكان الأخير حينها أن يضع له جدولا زمنيا يلزمه بمهمة إدارية لستة اشهر أو سنة، يقوم خلالها بتشكيل حكومة مستقلة فيها نسبة من الشباب، تأخذ على عاتقها مهمة حل البرلمان وتعديل الدستور، وإقرار قانون أحزاب وإنتخابات تمهيداً لإجراء انتخابات مبكرة، بشرط أن يكون كل هذا بإشراف دولي وأممي مباشر.
وفي حال فشل فبإمكانه إقالته لأنه الجهة الوحيدة التي كانت وراء إختياره وترشيحه وتنصيبه، وهذه الميزة التي يوفرها تنصيب فائق الشيخ علي رئيساً للوزراء لصالح المتظاهرين، لن تكون موجودة ومتوفرة بأي شخصية سيرشحها البرلمان، لأنها ستكون بكل تأكيد من حزب أو تيار سياسي لديه المال والسلاح ومدعوم من قوى خارجية، وستأخذ خطوة إقالته، في حال فشل أو أخل بتعهداته، وقتاً طويلاً وربما تضحيات جسيمة العراق وشبابه في غنى عنها.