حامد الكيلاني
عثر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الشيفرة السرية التي يفتح بها خزانة إرهاب تنظيم الدولة الإيرانية، عندما قال “نحن لسنا في عجلة من أمرنا” رغم إسقاط طائرة الدرون بمزاياها التقنية المتقدمة.
وهذا بحد ذاته يدفع النظام الإيراني إلى حافة الجنون لأنه بالضد تماما وعلى عجلة من أمره لتلقي الضربة الأميركية بما يمكن أن ينتج عنها من استحضار مطافئ السياسة الدولية لإخماد الحريق بتكاليف خسائره محسوبة وتؤدي إلى إعادة إنتاج مواقف ولاية الفقيه من باب المظلومية ومخرجاته المجربة.
الأهم في تصعيد العقوبات وتحديدا ما طال منها المرشد علي خامنئي ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، والتي وصفها الرئيس حسن روحاني بإغلاق النافذة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، أنها، أي العقوبات، استهدفت شخص المرشد ورمزيته العقائدية لدى مقلدي ولايته داخل إيران وخارجها.
بما يعني أن ردود الفعل الهادئة في التصريحات وسلوك الحرس الثوري لا تتناسب ومكانة الفقيه المذهبية، وهذا مؤشر لتوقعات متباينة ضمن مخططات أوسع لاستيعاب صدمة انغلاق أفق المناورات التقليدية بالهجمات الإرهابية مجهولة الهوية التي لم تستحضر الحلول، إنما أضافت المزيد من العقوبات، وعمقت الاستياء الشعبي الداخلي تجاه النظام الذي أطاح بجسور الثقة ومهد الطريق للمواطنين لكسر الحاجز النفسي والتجرؤ على الولي الفقيه برفع شعارات إسقاط النظام والهتاف ضد دكتاتورية خامنئي والملالي وأجهزتما القمعية.
النظام في إيران تصرف خلال المدة الماضية، أي بعد سنة من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وكأن الولايات المتحدة بصدد احتلال إيران بالقوات البرية وما يساندها من البحر والجو.
وهي بهذا التأويل وضعت أذرعها السياسية والميليشياوية في ساحة حرب وفق آلية الإنذار في خطوط الدفاع الأولى لحماية ولاية الفقيه، مما عرضها إلى السقوط في مصائد أخطاء متتالية فاقمت من تشكيل تحالفات ضد تمدد الإرهاب الإيراني ومخاطره على السلم المجتمعي في المنطقة والعالم.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوضح معالم خطته في مواجهة إيران بعدم وجود نية لإرسال قوات برية، أي إنه ألغى مبررات الاستنفار الإيراني استعدادا لاحتمالات الحرب، لكن رغم ذلك يستمر النظام بتصدير تهديده للولايات المتحدة إذا تجرأت على انتهاك الأراضي الإيرانية.
ثمة كواليس تقودها الولايات المتحدة تشبه برقيات المعارك في مقرات غرف الحركات الحربية للفرق أو الفيالق وحسب تراتبية أهميتها.
برقيات موجزة وقصيرة وتعبر عن دلالة الموقف؛ فعندما يقول الرئيس ترامب إن أمد الحرب لن يكون طويلا فهو يمهد لهجمات بتأثير محدود ردا على ما يعتمده من تحليلات تؤكد الرغبة الجامحة لدى إيران في الذهاب إلى طاولة مفاوضات بعد اختيارها لنوعية هجمات على مصالح أميركية أو دولية توفر للرئيس ترامب اتخاذ قرار الردع المؤطر بمعلومات مسبقة عن مكان وتوقيتات الضربة لتقليل الخسائر البشرية، فمحاذير فقدان الأرواح تخضع لتجاذبات سياسية من المحتمل جدا أن تجد لها طريقة للنضوج في رحلة مفاوضات غير مشروطة.
إيران لا تريد الحرب، الولايات المتحدة لا تريد الحرب، دول المنطقة لا تريد الحرب وكذلك العالم، إلا أن النظام الإيراني ما زال يقايض برنامجه النووي بالإرهاب والتوسع على حساب العرب بل إن تهديداته في مضمونها لا تتوجه إلى الولايات المتحدة إنما إلى إحراق المنطقة بالصواريخ الباليستية من ميليشياته وحرسه الثوري، وذلك بعض حصاد إيران من فترة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
النظام الإيراني بانهياراته تحت وطأة العقوبات، يبدو أنه يتوسل بالضربة الأميركية التي تأخرت قياسا إلى حساباته ودخلت في مطبات وعرة، لكنه نظير أربعة عقود من التعالي واستغلال وقود فتنته المذهبية العابرة للحدود لإشعال المنطقة والنفاذ بمشروعه، يرى أن نظامه أصبح على المحك بعد انكشاف مصادر الإرهاب وارتفاع مناسيب المعارضة، وما تجنيه من رصيد التأييد للتغيير.
شعار “أربعة عقود من الإرهاب تكفي” يتحول إلى مجموعة برامج نشطة عمليا على الساحة الدولية والمحلية في إيران، رغم العاصفة التي يستشعرها النظام خلف اليأس والصمت، لفضح جرائم النظام وإباداته وعملياته الإرهابية وتفاصيل برنامجه النووي السري وكذلك متابعة خيوط الاغتيالات للمعارضين والناشطين.
مع ذلك فإن هذه العقود الأربعة التي وردت فيإشارة رئيس العراق برهم صالح أثناء زيارته إلى لندن “عاصرنا أربعة عقود من الاضطرابات، لا نريد إيجاد أنفسنا متورطين في حرب جديدة”، توحي وكأنه يعترف بأن الحروب ولدت في لحظة استلام الخميني للسلطة في إيران، رغم أنه أراد بمقولته أن يضع العرب والولايات المتحدة في موضع شن الحرب على دولة جارة مسالمة انطلاقا من العراق الذي يفترض أن لا يكون طرفا فيها وعلى الحياد.
النظام السياسي في العراق يتجاهل أن الحرب الإيرانية مستمرة ضد المناطق المحررة من تنظيم داعش الإرهابي، وأن الحرائق التي وصلت إلى شركة كبريت المشراق إنما هي نسج على منوال أيام سبقت احتلال داعش للموصل لصيد أكثر من هدف بحجر ميليشيات الحشد الشعبي.
أولها استمرار الإبادة والقضاء على آخر أنفاس العروبة في الموصل وعلى بقايا التعايش في العراق، وثانيها اللعب على وتر تنشيط الإرهاب لإعادة التموضع مع أهداف التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. من هنا تحضر المخاوف وراء ما تتعرض له الموصل من تغيير ديموغرافي ومصادرة أملاك في مبررات متطابقة وربما أبلغ أثرا من الممارسات قبل هزيمة قوات حكومة نوري المالكي وتسليم الموصل دون قتال إلى تنظيم داعش.
إيران تهدد أوروبا بانتهاء مدة الشهرين لرفع مستوى تخصيب اليورانيوم، وترسم خرائط جديدة للمنطقة تستبدل فيها أسماء الدول في الخليج العربي إلى مسميات من هوس الأحلام الإمبراطورية، وتؤدي ما خططت له من أدوار لتبدو عند تلقيها أي رد فعل وكأنها تصد العدوان دفاعا عن نفسها. وهذا ما فعلته في الحرب مع العراق بداية الثمانينات من القرن الماضي، ولنا من دروس تلك الحرب و”إطالة أمدها” وخسائرها ما يفترض أن يكون دليلا لردع النظام الإيراني وميليشياته إلى الأبد.
حالة ضعف ولاية الفقيه تبدو في انتشار خطاب المظلومية على مساحة إعلام الميليشيات داخل محور دول مقاومة العروبة، بديلا عن حالة الانتشاء بالسيطرة على أربع عواصم عربية وبلغة تنأى بالعراق وتقف على الحياد بين إيران والولايات المتحدة، رغم أن تجربة عناصر الميليشيات تؤكد أنهم سبق وأن قاتلوا إلى جانب إيران وولاية الفقيه ضد وطنهم الأم، العراق العربي.
كاتب عراقي