علي قاسم
تؤكد المملكة العربية السعودية، في كل ضائقة تلمّ بالدول العربية، أنها بمثابة القلب للعالم الإسلامي وللدول العربية، القلب الذي عاد ليخفق بقوة بعد أن جددت القيادة السعودية، برعاية الملك سلمان بن عبد العزيز، نفسها.
دخلت الدول العربية والإسلامية، بعد هزيمة الرجل المريض (الدولة العثمانية) إلى غرفة الإنعاش عقودا طويلة، اعتمدت خلالها أجهزة أوكسجين، يمن بها عليها الغرب المنتصر.
الكابوس التركي الذي انزاح عن صدر الدول العربية أعقبه كابوس آخر، تطلب تضحيات كبيرة لينزاح عن الصدور، وكانت ثمار آخر هذه التضحيات استقلال الجزائر يوم 5 يوليو 1962. أعقبت ذلك هزيمة ثلاثة جيوش عربية عام 1967 أمام إسرائيل.
الحدث الأسوأ، الذي سيبقى في ذاكرة العرب والمسلمين طويلا، حدث بعد ذلك بـ12 عاما، 11 فبراير 1979، الثورة الإسلامية في إيران، التي بدأت بمظاهرات في شوارع العاصمة طهران، شاركت فيها جميع أطياف المجتمع الإيراني، والطبقة السياسية، وتجار سوق طهران الكبير، ورجال دين نجحوا في الاستيلاء على الحكم. وتم الإعلان عن تأسيس جمهورية إيران الإسلامية في 1 أبريل 1979، من قبل المرشد الأعلى روح الله الخميني وفق مبدأ “ولاية الفقيه” الذي يعطي الأولوية لرجال الدين على حساب السلطة السياسية.
ومنذ وصول الخميني إلى السلطة، دخلت جمهورية إيران الإسلامية في حرب أيديولوجية وسياسية مع العالم، وخصوصا أميركا التي رأت فيها طهران تجسيدا لـ”الشيطان الأكبر”.
ما حدث بعد ذلك لا حاجة لنذكّر به، تحولت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى حاضنة للإسلام السياسي والإرهاب.. لتتوالى الكوارث.
ولكن، كل شيء تغير الآن، هناك إرادة قوية للخروج من غرفة الإنعاش، والاعتماد على النفس.
وكانت الهجمات التخريبية، التي تعرضت لها ناقلات نفط قبالة السواحل الإماراتية، والهجمات الحوثية على محطتين لضخ النفط في السعودية، بمثابة القشة التي قصمت ظهر طهران.
السعودية قررت أن تحمل عبء هذا التغيير، والتصدي لأطماع إيران، وإلى جانبها يقف أشقاء عرب آخرون، تبرز من بينهم، بقوة، مصر والإمارات العربية المتحدة. وتبدو هذه الدول، مجتمعة، أكثر حزما في التعاطي مع تهديدات النظام الإيراني وأذرعه في المنطقة.
على مدى عقود موّلت طهران، مستعينة بدول هامشية، قوى متطرفة وظفتها لتلحق الإساءة بالإسلام، وتظهر في الوقت نفسه بمظهر المدافع عن المسلمين. هذا ما فعلته في العراق ولبنان ومصر، ومازالت تفعله على نطاق واسع في سوريا واليمن.
حكمة القيادة السعودية وأشقائها كشفت خيوط اللعبة الجهنمية، ليظهر للعالم أن الإرهاب صناعة إيرانية بامتياز. وتأتي دعوة الملك سلمان بن عبدالعزيز، لعقد ثلاث قمم خليجية وعربية وإسلامية بمكة المكرمة، لتمنح الجميع فرصة هامة يوحدون فيها مواقفهم حماية للأمن القومي العربي والإسلامي، وتوحيد كلمتهم والحفاظ على سيادتهم وسلامة شعوبهم.
وفيما كان انعقاد قمّة “منظّمة التعاون الإسلامي” في مكة الجمعة مقررا منذ زمن، دعت السعودية هذا الشهر إلى عقد قمتين عربية وخليجية في المكان نفسه، يوم الخميس، لبحث التطورات.
ومنذ تشديد الإدارة الأميركية العقوبات على قطاع النفط الإيراني بداية شهر مايو الجاري، تسارعت الأحداث، حيث عززت الولايات المتحدة حضورها العسكري في المنطقة، عبر إرسال حاملة طائرات وإعلانها زيادة عدد قواتها بـ1500 جندي. وردت طهران بالتهديد بإغلاق مضيق هرمز، الذي تعبر منه يوميا أكثر من ثلث إمدادات النفط العالمية المنقولة بحرا.
قمم مكة ليست لإدارة الحوار، بل هي قمم لاتخاذ القرارات، لن ينفع فيها تجديد طهران مقترحها بتوقيع “معاهدة عدم اعتداء” مع دول الخليج، وإزالة سوء الفهم مع دول، لم تسمّها، قالت إنها لم تلب دعوتها “الخيرة” لخفض التوتر، والعمل على ترسيخ السلام والاستقرار في المنطقة. ستثبت قمم مكة الثلاث، أن السعودية هي حاضنة للإسلام المتسامح، القائم على علاقة مباشرة بين الإنسان وخالقه، دون وساطة من رجال دين سيسوا الإسلام وجلبوا على شعوبهم الويلات والشرور.
ما ينتظره الجميع من المجتمعين في مكة هو أن تنجح “دبلوماسية المملكة المكثفة” في إبعاد شبح حرب العالم بغنى عنه. وتنجح أيضا في تقليم مخالب إيران التي طالت كثيرا.
كاتب سوري مقيم في تونس