أثارت أوساط رسمية عراقية تساؤلات بشأن دلالة الاجتماع المغلق الذي عقده وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع رئيس الجبهة التركمانية العراقية النائب أرشد الصالحي، والنواب التركمان في البرلمان العراقي.
وعبرت مصادر سياسية عراقية عن قلقها من دور تركي جديد لشغل أي فراغ قد ينجم عن انكماش النفوذ الإيراني في العراق، بسبب ضغط العقوبات الأميركية على طهران.
ومنذ يومين، يقطع وزير الخارجية التركي المحافظات العراقية عرضا وطولا، متنقلا بين اجتماع وآخر، مع قيادات بارزة في الحكومة العراقية وأخرى مناطقية، ليتحدث مع الجميع عن ضرورة تطوير علاقات البلدين الجارين.
واجتمع جاويش أوغلو مع أحمد حيدر رئيس الجبهة التركمانية العراقية، وأعضاء البرلمان التركمان، ومقرر مجلس النواب العراقي خديجة علي، فضلا عن النائب السابق حسن توران، قبل أن يتوجه إلى البصرة ثم أربيل.
لكن الصالحي نفى أن يكون اللقاء مغلقا، مؤكدا أنه “كان مفتوحا وبحضور ممثلين عن وزارة الخارجية العراقية أيضا”.
ومضى يقول إن “تركيا لا تفكر بدور جديد للتركمان في العراق، أكثر مما تفكر في إعادة المناطق المتضرّرة بفعل الإرهاب، والدليل أن الإعمار سيشمل عموم المناطق وليس المناطق التركمانية فقط”.
وقال “كلّ ما في الأمر، أنه لقاء مع النواب التركمان لمناقشة كيفية إعادة الإعمار في المناطق المحررة”.
وأضاف رئيس الجبهة التركمانية أنه “تم رصد 5 مليارات دولار من قبل الحكومة التركية لإعمار المناطق المحررة”، مشيرا إلى أن “النواب التركمان طالبوا الحكومة العراقية بتوجيه هذا المبلغ إلى صندوق إعادة الإعمار في العراق”.
وتابع أن للنواب التركمان الحق “بمطالبة الجميع بمساعدتنا في إعادة إعمار المناطق العراقية كافة، وعلى الجميع سواء كانت إيران أو تركيا أو السعودية أو الأردن تقديم المساعدة لنا، لأننا قاتلنا الإرهاب ودمرت مناطقنا نيابة عن المجتمع الدولي”.
وفي بغداد، التي وصل إليها مساء الأحد، التقى جاويش أوغلو نظيره العراقي محمد الحكيم، ورئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، فضلا عن النواب التركمان في البرلمان العراقي.
عقب ذلك، توجه الوزير التركي إلى مدينة البصرة الغنية بالنفط في أقصى جنوب العراق، والتقى محافظها أسعد العيداني، قبل أن يذهب إلى إقليم كردستان في أقصى الشمال، حيث التقى رئيس وزراء الحكومة الإقليمية نيجرفان البارزاني ونائبه قوباد الطالباني، ومسرور البارزاني نجل زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، أكبر الأحزاب الكردية في العراق.
وسلم جاويش أوغلو رئيس الوزراء العراقي رسالة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تتضمن دعوته إلى زيارة أنقرة.
وخلال لقائه عبدالمهدي، دعا الوزير التركي إلى “رفع مستوى التبادل التجاري وتطوير الطرق البرية والسكك والتعاون في مجالات مواجهة المنظمات الإرهابية وقضايا النفط والمياه والجمارك وفتح القنصليات”، مبديا استعداد الجانب التركي لـ”التعاون في مجال تزويد العراق بالطاقة الكهربائية، وتعزيز التواصل والشراكة بين رجال الأعمال في البلدين والاستفادة من القرض التركي الذي أعلن ضمن مؤتمر المانحين الذي عقد في الكويت”.
ولاحظ مراقبون أن الملفات التي تحدث عنها الوزير التركي تتطابق في مضمونها مع الاهتمامات الإيرانية في العراق، التي جرى بحثها من قبل الرئيس حسن روحاني لدى زيارته بغداد مؤخرا.
ويبدو أن تركيا تحذو حذو الإيرانيين بالانفتاح على مختلف الأطراف السياسية والمحلية في العراق، وعدم الاقتصار على الجانب الحكومي الرسمي.
واعتبرت وكالة بلومبرغ ان تركيا تتحول إلى العراق بعد تشديد العقوبات على إيران.
وذكرت الوكالة في تقرير لها أن عقوبات واشنطن على طهران قد تؤثر سلبا على الاقتصاد التركي، الذي دخل العام الماضي أول مرحلة ركود منذ عقد، وأن احتمال ارتفاع أسعار النفط بسبب العقوبات الأميركية على إيران أو خطر المواجهة مع الولايات المتحدة لا يبشر بالخير للعملة التركية، التي تتعرض لاضطرابات منذ أسابيع.
وقال جاويش أوغلو لعبدالمهدي، إن “العراق بلد مهم بالنسبة لنا وننتظر زيارتكم باهتمام كبير، ويسعدنا ما يشهده العراق من استقرار داخلي وأمن وإزالة للكتل الكونكريتية وفتح الطرق ونرى في وجود مكتبكم خارج المنطقة الخضراء رسالة بليغة معبرة عن القرب من المواطنين وكسرا للحواجز، كما يسعدنا تحسين العراق لعلاقاته مع دول الجوار كافة”، متمنيا أن “يلعب العراق دورا إقليميا مهما يتناسب مع حجمه وتاريخه وموقعه”. وزاد “نثمن سياسة الحكومة العراقية في بناء علاقاتها الخارجية بشكل متوازن ومتين ونتطلع إلى حلّ جميع المسائل العالقة بين البلدين في أجواء ودية وبشكل مباشر”.
من جهته، دعا رئيس الوزراء العراقي إلى حلّ جميع المسائل العالقة بين الحكومتين العراقية والتركية وتوقيع اتفاقيات حول المياه والنفط والأمن.
وأكد أن “تركيا جار عزيز ودولة مهمة في المنطقة ولدينا علاقات متميزة والكثير من المشتركات والمصالح الاقتصادية وقضايا الأمن والمياه والتجارة والحدود ومواجهة الإرهاب”، داعيا إلى “إعادة خط السكك الحديدية من البصرة إلى تركيا ومنها إلى أوروبا”.
وشدد على “ألا نكتفي فقط بزيادة التبادل التجاري بين البلدين بل ندعو رجال الأعمال والشركات التركية إلى تأسيس مصانع ومصالح وشراكات اقتصادية داخل العراق في مجالات الصناعة والتجارة والإعمار واستثمار الأراضي الزراعية، مما يعمّق جذور التعاون ويعود بالنفع على البلدين والشعبين ويفتح أسواقهما أمام المنتجات العراقية والتركية والمشتركة، وأن يكون هذا توجها استراتيجيا في العلاقات العراقية التركية”، مؤكدا أن “العراق بلد واعد ويجب أن تكون لدينا رؤية مستقبلية مشتركة من أجل تحقيق المنفعة للبلدين والشعبين”.
ودعا رئيس الوزراء العراقي إلى “حلّ جميع المسائل العالقة مباشرة بين الحكومتين العراقية والتركية وتوقيع اتفاقيات وتعاون مباشر حول المياه والنفط والأمن، وإنهاء قضية تواجد القوات التركية في منطقة بعشيقة دون استحصال موافقة الحكومة العراقية”، مؤكدا “أهمية الانطلاق بمرحلة جديدة من التعاون الأخوي بين البلدين والشعبين وتبادل المصالح وتفعيل عمل اللجنة التنسيقية المشتركة”.