د. شاكر نوري
قبل تسعين يوماً من الآن، أعطت الولايات المتحدة هذه المهلة من أجل إيجاد بديل لإيران كمورد رئيسي للغاز والكهرباء إلى العراق؛ لكن الوقت قد انقضى، ولم تلتزم الحكومة العراقية بأي تعهدات من جانبها وحتماً هي غير قادرة على الالتزام بها لأنها عاجزة عن تأمين الغاز والكهرباء من بلدان أخرى، حيث يستورد العراق نحو 28 مليون متر مكعب لتوليد نحو 200 ألف ميغاواط، إلى جانب شراء 300 ألف ميغاواط لتغطية العجز الحاصل في الطاقة الذي تعاني منه البلاد على مدى سنوات.
وعلى الرغم من عودة العلاقات السعودية العراقية إلى حالتها الطبيعية، فالمملكة قادرة على تعويض إيران؛ لكن الأمور ليست بهذه البساطة نتيجة سيطرة الأحزاب والمليشيات على العملية الاقتصادية.
ونتيجة لتطور الأحداث، واشتداد الضغط الأمريكي على إيران من أجل إيقاف توغلها في المنطقة، طلبت الإدارة الأمريكية من رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي اتخاذ مواقف "حاسمة" تجاه الأحزاب والمليشيات الموالية لإيران بل طالبت بتفكيكها وإلغائها والاعتماد على الأجهزة الحكومية بعد أن أصبحت دولة داخل الدولة، وبتشجيع من إيران بدأت هذه الأحزاب والمليشيات تطالب بإخراج القوات الأمريكية من العراق، نتيجة لقرار فرض العقوبات على إيران، سندها الأول والأخير.
ومؤخراً، بدأت ملامح الأزمة بين الولايات المتحدة والعراق بسبب العلاقة مع إيران تظهر للعيان، فقد هدد جون هود القائم بأعمال السفارة الأمريكية في بغداد بـ"إجراءات دبلوماسية" على العراق في حال عدم التزامه بالعقوبات المفروضة على إيران.
فيما تتهم إيران الولايات المتحدة بأنها تراقبها من مواقعها في العراق، وتبرر وجود قواتها من أجل دعم الحكومة العراقية لاستكمال هزيمة داعش، ومواجهة التدخلات الإيرانية.
ويتهم جون هود إيران بأنها تُغرق السوق العراقية بالبضائع الإيرانية وتجعل الفلاحين العراقيين لا يعملون، وتصدر للعراق مواد بـ20 مليار دولار والعراق لا يرد بالمثل، ولدى السفارة الأمريكية في بغداد التي يبلغ تعداد موظفيها نحو 15 ألفاً، وهي أكبر سفارات الولايات المتحدة في العالم، ملفات وتقارير موثقة عن الأوضاع العراقية وهيمنة المليشيات على القرار الحكومي العراقي.
أما بالنسبة لإيران فهي غاضبة من انفتاح الحكومة العراقية على دول المنطقة خاصة المملكة العربية السعودية، لأنها قد تكون البديل في استيراد الطاقة والبضائع بنوعية أفضل، وإضافة إلى ذلك، فإن العلاقات مع السعودية سوف تضمن استقلالية العراق في مجال الطاقة دون الاستعانة بأي دولة أخرى.
ولذلك تستخدم الولايات المتحدة سياسة العصا والجزرة أو مبدأ الثواب والعقاب، وهذا ما دفع القائم بأعمال السفارة الأمريكية إلى إطلاق تهديداته بفرض العقوبات على العراق خاصة الدبلوماسية منها.
من الواضح أن إيران تضغط من خلال التنظيمات والأحزاب والمليشيات التابعة لها، إلى خرق العقوبات الأمريكية بعد أن تحول العراق إلى رئة إيران التي تتنفس من خلالها؛ لكن الإدارة الأمريكية من خلال استخدام الترغيب والترهيب، تسعى إلى تحجيم الدور الإيراني السياسي والاقتصادي في العراق بعد أن طمأنتها الرئاسات الثلاث بضرورة بقاء قواتها لحفظ الأمن والاستقرار حسب تبريرات الحكومة العراقية.
ولكن ما تؤكده التقارير الأمريكية أن الفصائل المسلحة في العراق والتابعة للحرس الثوري الإيراني مرتبطة بما يحدث في سوريا ولبنان واليمن في آن واحد، وهذا ما تحاول واشنطن تحجيمه على صعيد أكبر، لأنها تضعف من سيادة الحكومة العراقية خاصة كتائب حزب الله العراقي المدعومة من إيران والتابعة للحشد الشعبي التي تمنع النازحين السنّة من العودة إلى ديارهم ومنازلهم، وهي سياسة تطهير، وتغيير ديمغرافي واضحة المعالم بحجة الخلايا النائمة من داعش.
وهنا السؤال الجوهري: هل تريد الولايات المتحدة أن تحول العراق إلى ساحة حرب مع إيران؟ قبل الإجابة على ذلك، لا بد من طرح السؤال: من هو الأقوى العراق المدعوم إيرانيا أم العراق المدعوم أمريكياً؟
يمتلك العراق المدعوم إيرانيا الأذرع العسكرية لعشرات الأحزاب والتنظيمات والمليشيات التابعة لإيران التي تهدد أمريكا بصراحة، ولو حصل أي صراع بين الطرفين، فإن العراق سيكون الخاسر الأكبر، وقد يؤدي ذلك إلى تقسيمه جغرافياً لأنه لا يعمل ضمن مبدأ التوافق والشراكة والتوازن بين المكونات. وتعلم أمريكا أن حل المليشيات التي طالبت به ليس أمراً سهلاً لأنها مدعومة من إيران سياسياً واقتصاديا ومذهبياً؛ وهنا تكمن الخطورة في الأمر.
تسعى الولايات المتحدة إلى تقليص نفوذ إيران في العراق، وتخليص اقتصاده من تلك القيود، ولكنها تبدو عاجزة عملياً عن القيام بأي مبادرات أو مشاريع تنموية في العراق لأنها تدرك حالة الفساد وتشتت القرار العراقي.
ويبقى أن الموضوع أوسع من فرض عقوبات على إيران بل هو في جوهره يسعى إلى إضعاف الهلال الشيعي المتوغل بين إيران والعراق وسوريا وامتداداته إلى اليمن ولبنان، فإذا لم تضع الولايات المتحدة حداً له، فستكون المنطقة كلها في خطر داهم.