تشكل إعادة الإعمار في سوريا هاجساً لدى دول عدة، ومفترقَ طرقٍ لدى بعضها. ليس من حيث المصلحة الاقتصادية لإعادة الإعمار فحسب، بل كذلك من حيث حجز دورٍ سياسي ومكتسبات سياسية في مستقبل سوريا والمنطقة.
وانطلاقاً من المصالح المشتركة بين الحليفين السوري والإيراني، يحاول الأخير جاهداً الضغط على الحكومة السورية نتيجة حاجتها إلى وجود قوات إيرانية على الأرض، مع ما توفره من "سلام وطمأنينة وحماية للنظام السوري"، لشرعنة وجوده وتعزيز قواته الميدانية.
ويسعى النظام الإيراني إلى فرض وجوده شريكاً أساسياً في تقاسم المصالح بعد انتهاء الحرب لاستكمال دوره في المجالين السياسي والعسكري.
لإيران أهداف كثيرة من المشاركة في إعادة إعمار سوريا، لا تقتصر على إثبات وجودها السياسي والعسكري في المنطقة.
بل تسعى إلى رسم خريطة طريق للمنطقة، تبدأ بخطة "تغيير ديموغرافي" تتعبها طهران كإستراتيجية واضحة في أجندتها.
وفعلت ذلك في القصير والقلمون السوريتين، حيث هجّرتْ سكانها الأصليين وأتت بسكان آخرين استوطنوا هاتين القريتين من أجل بناء قاعدة شعبية ومناصرين اضافيين للنظام السوري.
على الرغم من إعادة فتح بعض السفارات العربية في سوريا، كسفارة دولة الإمارات العربية المتحدة وسفارة مملكة البحرين، والحديث عن احتمال عودة سوريا الى جامعة الدول العربية، فإن إعادة الإعمار تتطلب شروطاً واقعية تفرض نفسها، وتطالب بها الدول التي ستموّل الإعمار الموعود.
أهمها: اعتماد دستورٍ جديد لسوريا، وإشراك المعارضة في الحكم، وفصل دمشق عن المحور الإيراني وعودتها إلى الحضن العربي، بخاصة أن الإدارة الأميركية تسيطر على الأسواق المالية العالمية في ظل شح التمويل عند حلفاء النظام السوري.
ويبدو واضحاً قيام تحديات كبرى تواجه النظام وحلفاءه في مسألة إعادة الإعمار، على الرغم من قطع رئيس النظام السوري بشار الأسد وعداً لحلفائه بتعهدهم عملية إعادة الإعمار، إلا أن المعطيات على الأرض لا تلتقي ووعدهِ، وذلك بسبب تراجع الوضع الاقتصادي في إيران، حيث تشهد المدن الإيرانية حركات احتجاجية متواصلة تندد بالسياسة الاقتصادية المتبعة في البلاد، وتالياً تراجع معيشة الإيرانيين. يُضاف ذلك إلى انخراط ايران في حرب اقليمية تكبدها خسائر اقتصادية وبشرية.
أما الثغرة الكبرى التي تقطع الطريق على النظام السوري وحلفائه، فتكمن في "قانون حماية المدنيين" أو ما يعرف بقانون "سيزر" (قيصر) الذي أقرّه مجلس النواب الأميركي أخيراً، وهو ينصّ على فرض عقوبات على الحكومة السورية والدول التي تدعمها، مثل إيران وروسيا مدة 10 سنوات أخرى، لضمان منعها من لعب دور مهم في الشرق الأوسط مستقبلاً.
بعيداً من الضغوط السياسية والاقتصادية التي يمر بها النظام السوري وحلفاؤه، بخاصة في ملف إعادة الإعمار، يواجه الاقتصاد السوري أضراراً كبيرة منذ انهيار الناتج المحلي عام 2011 إلى اليوم.
يُضاف ذلك إلى تدمير المدن السورية الرئيسة والبنى التحتية وتهجير قسم كبير من الشعب السوري وتزايد عدد الوفيات بفعل الحرب، وتراجع الموارد البشرية والاقتصادية، بعدما كان عدد السكان 22 مليوناً. كما تحوّل الاقتصاد السوري من "اقتصاد دولة إلى اقتصاد غير رسمي" وفق تصنيف مركز البحوث الأميركي.
يرى البرفسور في الإقتصاد د. باسم عجاقة أن "الحرب السورية لم تتوقف فعلياً، وأن التقديرات المالية لإعادة إعمار سوريا تُقدَّر حتى يومنا بحوالي 250 مليار دولار في ظل تحذيرات أميركية من فرض عقوبات اقتصادية تشمل كل مَن يشارك في إعادة الإعمار.
وسيطرة الإدارة الأميركية على أسواق المال تسمح لها بفرض شروطها عبر طرح مشاركة دول عدة في إعادة إعمار سوريا كفرنسا وبريطانيا وألمانيا والمملكة العربية السعودية والإمارات" وغيرها. وأضاف عجاقة إن "عودة النازحين السوريين إلى بلدهم وقراهم خطوة رئيسة في إعادة إعمار سوريا من أجل تأمين يد عاملة وإلّا فسيتم استيراد يد عاملة أجنبية"، مضيفاً "إذا بدأ الإعمار في سوريا، فسيراوح الطلب على اليد العاملة بين مليون وثلاثة ملايين عامل"، متسائلاً "من أين سيأتي هذا العدد إذا لم يعود السوريون إلى بلادهم؟".
من جهة أخرى، لم تعد الخلافات بين حلفاء النظام السوري سرية، فروسيا تنسب إلى نفسها بقاء الأخير على مدى سنوات الحرب، في حين تعتبر إيران أنها قادرة على مجابهة العالم بالنووي والسلاح و"حزب الله"، كما ترى أنها لعبت الدور الأكبر في بقاء النظام.
وباتت المصالح بين حليفَيْ النظام متناقضة، وبرز ذلك إلى العلن من البابين العسكري والاقتصادي، وهذا ما جعل النظام في حيرةٍ من أمره أمام حليفين يريدان تطبيق خططهما وأجنداتهما على نسيج الشعب السوري الذي له الحق في المشاركة في بناء بلده من حيث تأمين اليد العاملة، إذ يبدو من غير المنطقي الاستعانة بيد عاملة أجنبية، بخاصة أن السوري الذي هاجر أثناء الحرب بحاجة إلى إعادة هيكلة حياته في بلده من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وقد يتحقق ذلك عندما تتمّ الإجابة عن السؤال التالي، هل يكون النظام الإيراني الذي لا يفكر في مستقبل مواطنيه، أكثر حرصاً من السوريين أنفسهم على مستقبلهم أمنياً واقتصادياً؟