علي الأمين
افتخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدة له قبل يومين بأن عقوباته على إيران ناجحة وأثرت عليها سلبا. ومصدر فخره على ما يبدو، أنها لم تكلف دولته أو حلفاءها موازنات عسكرية ولا مبالغ مالية. وإن دلّ ذلك على شيء فإن ما قاله ترامب، يشير إلى استمرار إستراتيجية العقوبات الاقتصادية والمالية على إيران وأذرعها في المنطقة، ولاسيما حزب الله، من دون أي حاجة أو رغبة في التلويح بخيارات عسكرية.
حزمة جديدة من العقوبات تستعد واشنطن لإطلاقها تجاه إيران الشهر المقبل (مايو) ستتركز على المزيد من خفض عمليات تصدير النفط الإيراني، بعد مرور فترة سماح سمحت بها واشنطن لبعض الدول بالاستيراد من إيران في المرحلة الأولى من إطلاق حملة العقوبات، على أن تقوم باعتماد خيارات أخرى للحصول على مواردها النفطية.
وفي موازاة هذه العقوبات، ذكرت مصادر بحثية أميركية في واشنطن أن سلة من العقوبات سوف يجري تفعيلها تجاه أذرع إيران في المنطقة ولاسيما بعض المنظمات العراقية التابعة لإيران إلى جانب حزب الله اللبناني، إذ تؤكد هذه المصادر البحثية نقلا عن مصدر أميركي رسمي.
أن زيارة وزير الخارجية الأميركية الأخيرة إلى المنطقة ولاسيما لبنان، عززت من خيار تشديد العقوبات على حزب الله، خاصة بعض الحلفاء اللبنانيين الذين يشكلون بنظر الأميركيين عنصر تغطية لنشاط الحزب السياسي والمالي.
وذكرت هذه المصادر بالاسم رئيسيْ الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ومن دون أن توضح إن كان ذلك سيعني بالضرورة أن تطال هذه العقوبات مباشرة الرئيسين عون وبري، أو أنها ستطال مقربين له، خصوصاً أن الرئيس بري قام بإبعاد بعض رجال الأعمال المنتمين إلى حركة أمل التي يرأسها، ومنهم مدراء لعمليات استثمار، بعد ورود تقارير تثير أسئلة حول نشاطاتهم المالية بين لبنان والعراق.
واستكمالا لهذه الرسالة المقلقة للرئيس بري، تُولي بعض المصادر زيارته الأولى إلى العراق مطلع هذا الأسبوع، ولقاءه المرجع الشيعي السيد علي السيستاني، أهمية عالية، بالإضافة إلى لقاءاته الرسمية التي سيجريها مع نظيره العراقي وعدد آخر من المسؤولين في بغداد.
فالمعلومات المتقاطعة في لبنان والعراق، وترجحها مصادر أميركية، أن الرئيس بري سيسعى من خلال لقائه السيد السيستاني، إلى محاولة التأكيد مجددا على التزامه بمرجعيته الدينية، والتميّز في الحسابات الإستراتيجية عن الخط الإيراني، بعدما ساد في الحسابات الأميركية والعربية على وجه العموم، أن لا تمايز فعلياً بين الرئيس بري وحزب الله أو إيران. وتضيف المعلومات أن زيارة بري إلى العراق بكل ما فيها من لقاءات، ما كانت لتتم لو لم يقم الرئيس بري بإبعاد بعض المتورطين بملفات فساد من المقربين منه، مع مسؤولين عراقيين سابقين.
في أعقاب زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إلى لبنان الأسبوع الماضي، تلقّى المسؤولون اللبنانيون الذين التقاهم بومبيو، تهنئة الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، على ما قالوه للوزير الأميركي، وفي المقابل فإن ما يؤكد التناغم بين المسؤولين اللبنانيين وحزب الله حيال مطالب واشنطن.
ما يتردد في واشنطن عن عدم ارتياح أميركي حيال المواقف الرسمية اللبنانية التي سُمعت “رسميا” في بيروت، والتي رجحت لدى بعض الأوساط البحثية الأميركية صدور حزمة جديدة من العقوبات الأميركية المالية.
مضيفة تلك الأوساط أن الإجراءات الأميركية هي عبارة عن حلقات متواصلة موجهة ضدّ النفوذ الإيراني ومركزة على إيران نفسها، وعلى ساحات هذا النفوذ في لبنان والعراق واليمن وسوريا. ولفتت إلى أن الأخيرة تشهد اهتماما أميركيا غير ظاهر للعيان.
فالزخم الأميركي يتركز على تحفيز موسكو وبكين على الحلول مكان النفوذ الإيراني، وأشارت إلى عقود جرى توقيعها مع الحكومة السورية في قطاع الكهرباء بتنسيق مشترك بين شركات صينية وروسية لبناء محطات توليد الطاقة الكهربائية،.
حرص الطرفان على إبعاد إيران عن أي مشاركة، والأهم حسب هذه الأوساط أن النظام السوري لم يمانع في استبعاد الشركات الإيرانية، بذريعة أن ذلك سيفاقم المشكلات على صعيد الإعمار ولو في مراحله الأولى.
سيف العقوبات الأميركي على إيران، يأنس ترامب لجدواه، وربما يتوقع أن يحقق له نجاحات انتخابية بسبب نجاحه بتحقيق مكاسب في السياسة الخارجية، وبحسب أوساط في واشنطن فإن الإدارة الأميركية فوجئت بجدوى العقوبات على إيران، مع التزام أكثر دولتين متعاونتين مع إيران اقتصاديا، هما الهند والصين، بشروط العقوبات الأميركية على إيران، فيما لم يستطع معارضو الرئيس ترامب من الديمقراطيين إيجاد أيّة ثغرة ينفذون من خلالها للتشهير بإدارته لسياسة العقوبات على إيران.
في موازاة الحديث عن كفاءة العقوبات الأميركية بتحقيق ما تبتغيه واشنطن من إيران وأذرعها، فإن الحديث عن ردّ إيراني على هذه العقوبات الخانقة بدأ يتسرب من منافذ فرعية للنفوذ الإيراني، لكنه لم يصل إلى حدّ التلويح بخوض معركة عسكرية غير مضمونة النتائج.
فنصرالله في لبنان يكرر أنه لن يكون من يبدأ الحرب مع إسرائيل، وأنه سيدافع في حال أقدمت إسرائيل على ضرب لبنان، أي أن الضربات الإسرائيلية في سوريا لن تسبب حرباً، ولو تجاوزت الصواريخ الإسرائيلية مناطق قريبة من حدودها، كما حصل الأسبوع الماضي عندما قامت إسرائيل بتوجيه طائراتها الحربية لقصف مواقع إيرانية قرب حلب وفي منطقة تعتبر تحت الحماية الروسية. لكن يبقى السؤال هل يمكن أن تخوض طهران مباشرة، أو عبر أذرعها، حربا ضد إسرائيل؟
بحسب الأوساط البحثية الأميركية فإن الحرب تبقى واردة، ولكن الجميع يدرك أن كلفتها ستكون عالية جداً، لاسيما في لبنان، وهي يمكن أن تتم إذا شعرت إيران بأن الحرب يمكن أن تنقذها من العقوبات، أو تمهد لتنازلات إيرانية أصبحت شروطا تصرّ الإدارة الأميركية على التمسك بها، طالما أن رياح العقوبات تجري كما يشتهي ترامب وتتماشى مع مصالح موسكو وبكين.
كاتب لبناني