Skip to main content

لن يبكي أحد على الكورد

مقر الحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني
AvaToday caption
مما يؤخذ على الزعماء الكورد أنهم لم يراعوا حساسية الدولتين المحيطتين بهما من مسألة تماديهما في التشديد على ضرورة قيام كيان سياسي كوردي مستقل
posted onSeptember 1, 2023
nocomment

فاروق يوسف

قبل 1991 لم تكن إيران وتركيا تشعران بالخطر الذي يمثله كورد العراق على أمنهما واستقرارهما وتمكنهما من ضبط أمور حدودهما مع العراق.

كانت هناك حكومة قوية في بغداد استطاعت أن تنهي التمرد الكورد عام 1975 حين وقع العراق مع إيران اتفاقية ترسيم الحدود فتعهدت الحكومة الإيرانية يومها بالكف عن دعم المتمردين الكورد مما أدى إلى انهيار الحلم الكورد في إنشاء دولة قومية مرة أخرى.

بعد أن الحقت قوات التحالف الدولي التي تزعمتها الولايات المتحدة الهزيمة بالقوات العراقية وأخرجتها من الكويت فرضت حظرا على الطيران العراقي في سماء المنطقة الشمالية مما سمح لللكورد أن يلملموا أحوالهم من غير أن يتكمنوا من طي صفحة خلافاتهم الداخلية.

سمحت تلك الخلافات للتدخل الخارجي في أن يكون جزءا من الصراع بين الحزبين الرئيسيين في المنطقة التي صار يُطلق عليها "كوردستان" على أمل إقامة كوردستان الكبرى.

توزع ولاء الحزبين بين الدولتين الجارتين.

كان الحزب الديمقراطي الكوردستاني يميل إلى تركيا فيما يميل حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني إلى إيران. كان ذلك تقليدا قديما حكم الحزبين بالذيلية بحثا عن سند اقليمي على الرغم من أن مسعود بارزاني قد استنجد بصدام حسين يوم أوشكت قوات الاتحاد الوطني على الدخول إلى أربيل عام 1996. تدخلت القوات العراقية يومها وخرجت بعد ثلاثة أيام بعد أن أزيح الخطر عن أربيل.

وبالرغم من تبعية الحزبين إقليميا فإن الدولتين الجارتين لم تثقا بما يخبئه كورد العراق. صحت توقعاتهما بعد 2003. سقط النظام العراقي بالغزو الأميركي ونجح الكورد دستوريا في إقامة كيانهم المستقل في ما يُسمى بالإقليم الكورد الذي هو في حقيقته دولة داخل الدولة وهي دولة تعتاش على حصة الكورد في واردات النفط العراقي بعد أن فرض الأميركان نظام المحاصصة الطائفية الذي سمح للكورد في أن يكونوا جزءا من الطبقة السياسية التي تحكم العراق من غير أن يسمحوا لحكومة بغداد في الإطلاع على أحوالهم وطريقة تصريفهم لشؤونهم السياسية.

ومما يؤخذ على الزعماء الكورد أنهم لم يراعوا حساسية الدولتين المحيطتين بهما من مسألة تماديهما في التشديد على ضرورة قيام كيان سياسي كوردي مستقل. والأنكى من ذلك أن الإقليم صار مأوى للمتمردين الكورد الهاربين من إيران وتركيا، بل صار القاعدة التي تنطلق منها عمليات الفريقين ضد بلديهما.

"لن تكون هناك دولة كوردية في شمال العراق." ذلك هو الموقف الحاسم الذي اتخذته الدولتان التي سبق لهما أن عاشتا تنافسا على مناطق النفوذ استفاد منه الكورد.

ذلك ما جسده القصف المشترك عبر السنوات الماضية للأراضي العراقية التي توهم الكورد أنها ستكون نواة لقيام دولتهم الكبرى التي تشمل أجزاء من العراق وسوريا وإيران وتركيا. وكان استقبال المتمردين الكورد من الدول الثلاث عنوانا للبدء في صياغة تاريخ جديد للمنطقة تُرسم من خلاله خرائط تمحي حدودا وتحل محلها حدود جديدة.

خدع زعماء الكورد أنفسهم حين صدقوا أن ضعف الحكومة العراقية وتراخيها في مواجهة استقلالهم النسبي سيكون مقياسا للعلاقة بدولتين قويتين هما إيران وتركيا. أما كورد سوريا فإنهم يتمتعون بحماية أميركية ما دامت الحرب في ذلك البلد المدمر قائمة. تكمن مشكلتهم في أنهم يحلمون بطريقة عمياء ليحولوا أحلام الشعب الكورد إلى كوابيس مرعبة.

السؤال: هل يجهل مسعود بارزاني المولود في جمهورية مهاباد الكوردية الإيرانية عام 1946 أن أي نظام سياسي يقوم في إيران بغض النظر عن توجهاته لا يمكن أن يقبل بدولة كوردية في العراق. والسؤال نفسه يمكن أن يوجه إلى بافل نجل جلال طالباني الذي يتزعم الاتحاد الوطني فيما يتعلق بموقف تركيا من تلك الدولة التي من اليسير القضاء عليها لحظة ولادتها.

عبر سنوات الاستقلال الكورد تمكن حزب العمال الكوردستاني من أن يستقر في شمال العراق ويكون جزءا من بيئته السياسية والاجتماعية كما أن المتمردين الكورد الهاربين من إيران قد كثرت أعدادهم وصاروا يشكلون عنصر إزعاج بالنسبة للمدن الحدودية. لذلك لا أعتقد أن كورد العراق سيتمتعون طويلا باستقلالهم.

قرأ زعماؤهم الخارطة السياسية خطأً. وهو ما سيؤدي بكل أحلامهم إلى السراب. ذلك ما ينسجم مع مخططات الأحزاب الشيعية في بغداد. أوهم الزعماء الكورد بقيام كوردستان الكبرى غير أنهم من خلال ذلك الحلم سيجردونهم من كوردستان الصغرى.