ربطت مصادر سياسية خليجية الزيارة التي قام بها رئيس جهاز المخابرات العامة الروسي سيرجي ناريشكين للمملكة العربية السعودية بالوضع في سوريا، وخاصة ما تعلق بكبح جماح إيران ومنعها من بناء نفوذ دائم هناك.
وقالت المصادر إن ناريشكين الذي قابل الاثنين الماضي وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان بحضور رئيس المخابرات السعودية الفريق خالد بن علي بن عبدالله الحميدان، أكد رغبة روسيا في تفادي أي تصعيد للوضع يؤدي إلى مواجهة شاملة بين إيران وإسرائيل في الأراضي السورية.
وأوضحت أن المسؤول الأمني الروسي طلب من السعودية لعب دور في مجال التهدئة في سوريا، مشددا على أن بلاده تعمل كلّ ما تستطيع من أجل ضبط إيران.
ويلفت مراقبون إلى أن زيارة المسؤول الأمني الروسي للسعودية جرت عشية القمة التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء. ويضيف هؤلاء أن موسكو تحتاج إلى تحديث معطياتها المتعلقة بالشأن السوري من خلال التداول مع القيادة السعودية.
إلا أن الكاتب السعودي غازي الحارثي قال في تصريح لـصحيفة"العرب" اللندنية إن “السعودية تجري عملية هيكلة كبرى لمخابراتها ولا يجب فصل مضمون لقاء الأمير محمد بن سلمان مع ناريشكين عن التعاون في هذا الإطار”.
وذكرت المصادر السياسية نفسها أن المسؤول الروسي كشف أن بلاده مارست ضغوطا شديدة كي تمتنع إيران عن أي ردّ على الغارات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مواقع تابعة لها في الأراضي السورية.
وأشارت إلى أن روسيا أكدت للسعودية رغبتها في إيجاد حلّ سياسي في سوريا وفي العمل على تقليص حجم الوجود الإيراني فيها.
ولاحظت أن زيارة رئيس جهاز المخابرات الروسي للسعودية ترافقت مع تطورات في غاية الأهمّية تشهدها سوريا وذلك بعد الغارات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت نحو خمسين هدفا عسكريا في المنطقة المحيطة بمطار دمشق وصولا إلى ريف درعا حيث قصفت إسرائيل مواقع تابعة للفرقة الخامسة فيها فوج مدفعية وراجمات في بلدة إزرع. وكان ملفتا وقوف روسيا موقف المتفرّج من الغارات الإسرائيلية التي جاءت بعد اجتماعات بين ضباط روس وإسرائيليين في تلّ أبيب.
وقالت المصادر ذاتها إن الهدف الروسي من زيارة ناريشكين يتلخّص في تأكيد أن لا حلف روسيا – إيرانيا في سوريا وأن موسكو معنية بتعاون السعودية في مكافحة الإرهاب بكلّ أشكاله في المنطقة.
وطالبت وزارة الخارجية الروسية الأربعاء بمنع تحول سوريا، التي عانت على مدار السنوات الماضية من الصراع المسلح، إلى ساحة لتحقيق الأهداف الجيوسياسية.
وطالبت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية بالكف عن شن هجمات على الأراضي السورية، بعد الغارات العنيفة التي شنتها إسرائيل مؤخرا والتي قالت إنها استهدفت مواقع إيرانية.
وقالت زاخاروفا “يتعين أن تتوقف ممارسة شن الهجمات الفجائية على أراضي دولة ذات سيادة، في هذه الحالة سوريا”.
وقال الحارثي “إن ما يجري في سوريا في ظل تشكّل واقع جديد بعد الانسحاب الأميركي يدفع باتجاه تنسيق أعلى بين موسكو والرياض قد يكون (أكثر أهمية) من كل التحركات الإقليمية الجارية على صعيد الحفاظ على وحدة واستقرار سوريا ومسائل إعادة الإعمار”.
وطالب المحلل السياسي السعودي، محمد اليحيى، السعوديين، وغيرهم من دول الخليج، بالتعامل مع الروس لتعزيز مصالحهم الاستراتيجية.
وينقل عن أوساط روسية مطلعة أن التنسيق الروسي التركي في شأن سوريا له طابع ميداني مرتبط بعملية أستانة، وأن بوتين يدرك أن السعودية، بما تملكه من نفوذ عربي، تملك مفتاح تعويم أي تسوية سياسية ترعاها موسكو داخل الفضاء العربي.
واعتبر محللون أن الرياض تملك نفوذا لدى الجسم السياسي للمعارضة السورية التي يمكن أن تكون شريكا لإنتاج تسوية مع النظام، كما أن الرياض تمتلك مفتاح التمويل الذي تسعى موسكو لاستدراجه من أجل إعادة إعمار سوريا.
وكان رئيس هيئة التفاوض بالمعارضة السورية، نصر الحريري، قال إن أمام سوريا الآن فرصة طيبة للتوصل إلى حل سياسي، وإنهاء الحرب المدمرة التي تشهدها منذ ثماني سنوات.
وقال الحريري خلال مقابلة مع وكالة “رويترز″ في مقره بالعاصمة السعودية الرياض “أعتقد أن لدينا الآن فرصة لأن تشهد سوريا كلها تقريبا وقفا لإطلاق النار، في شمال شرق سوريا وشمالها، كما أن جهود مكافحة الإرهاب حققت نتائج طيبة”.
وترى بعض الأوساط المراقبة أن روسيا تعرف أن السعودية امتنعت عن أي انخراط في الحرب في سوريا لجهة دعم معارضة لصالح التسليم بالمقاربة التي تسعى إليها موسكو لحل النزاع السوري. كما تدرك أن الرياض التزمت منذ بداية التدخل الروسي العسكري في سوريا في سبتمبر 2015 بسقف لا يعطل الاستراتيجية الأميركية.
بالمقابل يرى مراقبون لشؤون العلاقات الروسية التركية أن الرياض تثمن موقف موسكو المعارض للحملة التي شنت ضد السعودية في مسألة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وكذلك مستوى التعاون الثنائي في سوق النفط، بما يفتح الآفاق نحو تطوير جدي للعلاقات بين البلدين سينعكس إيجابيا على مستوى التعاون المتعلق بالشأن السوري.
ويشير هؤلاء إلى أن بوتين متلهف للاستفادة من الشقوق بين واشنطن وحلفائها، في محاولة لتصوير موسكو كوسيط في المنطقة.
وقال مارك كاتز، أستاذ في جامعة جورج ماسون الأميركية وأخصائي في العلاقات الروسية في الشرق الأوسط “إنهم مستعدون للعمل مع الحلفاء التقليديين لأميركا والاستفادة من أي احتكاك بينهم وبين الولايات المتحدة. كما يحاولون ألا يكونوا المسؤولين الأساسيين عن أمن المنطقة مثلما كانت الولايات المتحدة”.