سالم الكتبي
جدلٌ واسع تسببت فيه تصريحات أدلى بها قائد القوات البحرية الايرانية، الأدميرال شهران إيراني، وأعلن فيها عن قرب تشكيل تحالفات بحرية إقليمية جديدة تضم ـ إلى جانب إيران ـ المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر والبحرين والعراق، وأضاف: "اليوم وصلت دول المنطقة إلى نقطة تقول إنه إذا أريد الحفاظ على الأمن في المنطقة فيجب أن يتم ذلك من خلال التآزر والتعاون المتبادل".
والنقطة الأهم في هذه التصريحات قول الأدميرال إيراني بأن المنطقة ستخلو قريبًا من أي قوة غير مبررة تواجدها وستكون شعوب المنطقة هي المسيطرة في مجالها الأمني باستخدام جنودها.
في أول رد فعل أميركي على التصريحات الإيرانية، قال المتحدث باسم الأسطول الأميركي الخامس والقوات البحرية المشتركة، تيم هوكينز، إن التحالف البحري الذي أعلنت إيران اعتزامها تشكيله مع السعودية ودول خليجية أخرى أمر غير منطقي ويتحدى العقل، مشيراً إلى أن إيران هي المسؤول الأول عن عدم الإستقرار الإقليمي، وتريد تشكيل تحالف أمني بحري لحماية المياه التي تهددها!.
بعض التقارير الإعلامية الإسرائيلية أعربت أيضاً عن القلق إزاء المنحى الذي تمضي إليه العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون، وبالأخص المملكة العربية السعودية، في وقت تسعى فيه إسرائيل إلى توقيع إتفاق لتطبيع العلاقات مع الرياض.
بلاشك أن التصريح الإيراني كان مُفاجئاً للمراقبين والمتخصصين، حيث تمثّل هذه الخطوة ـ إن تمت ـ تحولاً إستراتيجيًا نوعيًا كبيرًا في معادلات الأمن الإقليمي، وسيكون لها آثارها وتداعياتها على الدور والنفوذ الأميركي في منطقة الخليج ، ولكن علينا قبل أن نذهب بعيداً في تحليل خطوة لم تتم رسمياً بعد الإشارة إلى نقاط ارتكاز عدة حاكمة/ ناظمة للأدوار الإقليمية والدولية في الخليج العربي.
النقطة الأولى في هذا السياق أن دول مجلس التعاون تنتهج سياسة خارجية قائمة على تفادي الإنخراط في أي تحالفات تستهدف أطرافاً إقليمية أو دولية أخرى، وبالتالي فإن أي صيغة تعاون للأمن البحري في مياه الخليج يصعب ـ برأيي ـ أن ترتقي إلى صيغة تحالف بحري، والأقرب للتصور في هذا السياق هي وجود إحتمالية لأن يكون هناك إتفاق/ توافق على ترتيبات إجرائية معينة تحدد القواعد والأدوار بدقة للقوات البحرية للأطراف المشاركة في أي تفاهم من هذا النوع منعاً لتكرار حوادث السفن والزوارق التي تحتجزها البحرية الإيرانية في مياه الخليج العربي بشكلٍ متكرر يميل في أحيان كثيرة إلى التعمد والرغبة في توصيل رسائل معينة، بعضها يتعلّق بتحدي الوجود البحري الأميركي في مياه الخليج.
وبالتالي فالاحتمالية الأقرب للتوقع هي إحتمالية إجرائية تتعلق بترتيبات وتفاهمات تنظيمية وليست صيغة تحالف كما أعلن الجانب الإيراني.
النقطة الثانية أن دول مجلس التعاون تدرك تماماً أن دخولها في "تحالف" بحري أمني مع إيراني ينطوي على مجازفة بإحداث توترات في علاقاتها مع الولايات المتحدة سواء بسبب الدخول في تحالف من هذا النوع من الأساس، أو بسبب إدراك الجميع أن أي قوة بحرية تابعة لهذا "التحالف" قد تتورط في صدام أو مواجهات بحرية مع القوات الأميركية المتواجدة بالمنطقة، بكل ما ينطوي عليه ذلك من آثار سلبية على علاقات دول مجلس التعاون بالحليف الأميركي.
النقطة الثالثة أن دول مجلس التعاون تُدرك تماماً أن إخراج أو ما تسميه إيران "طرد" القوات الأجنبية (المقصود بها القوات الأميركية) من مياه الخليج العربي يعد هدفًا استراتيجيًا محوريًا في السياسة الخارجية الإيرانية منذ قيام ثورة الخميني عام 1979، وتدرك كذلك أن وسيلة إيران لتحقيق هذا الهدف هو بناء تحالف أمني إقليمي ينزع قدرًا كبيرًا من المبررات الأميركية للتواجد في الخليج العربي.
وبالنظر إلى توجهات السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون حاليًا يصعب القطع بأن عواصم هذه الدول تشاطر طهران هدفها هذا حتى على الرغم مما لحق بالتحالفات القائمة بين هذه العواصم وواشنطن، وما أصاب النفوذ الأميركي من تراجع وضعف وتراخ سواء في مواجهة التهديدات الإيرانية أو غيرها في السنوات الأخيرة.
النقطة الرابعة أن إصلاح العلاقات بين دول مجلس التعاون وإيران لم يزل في مهده، ولم تزل الجهود في مرحلة بناء الثقة، ويحتاج الأمر إلى جهد إيراني ممتد لاثبات حسن النوايا ومطابقة الأفعال مع الأقوال، وبالتالي يبدو من باب التسرّع الانخراط في تحالف أمني مهم كهذا في المرحلة الراهنة، لاسيما في ظل موروث وخبرات التجارب والسوابق المتراكمة في سلوكيات إيران ومواقفها حيال دول الجوار.
النقطة الخامسة أن هذا "التحالف" بالصيغة التي أعلنتها إيران يتنافى مع توجه دول مجلس التعاون نحو ترسيخ الأمن والاستقرار الإقليمي، كما يجافي رغبة هذه الدول في تفادي الإنضمام إلى أي تحالفات تضر بمصالحها الإستراتيجية، بما في ذلك مصالح بعض هذه الدول مع إسرائيل، وهي مصالح لم يعد بالإمكان انكارها أو تجاهلها، لاسيما في حال حدوث إختراق سياسي نوعي في معالجة القضية الفلسطينية والتوصل إلى حل/ تسوية سياسية لها.
النقطة السادسة أن إيران يهمها بالدرجة الأولى حالياً منع توقيع أي إتفاقات تعاون أمني بين إسرائيل وبعض دول مجلس التعاون، ولاسيما الصيغ التي قد تُوظف إسرائيليًا للتواجد في المياه البحرية للخليج.
وبالتالي فإن مثل هذه التصريحات تكشف عن مساع إيرانية لإبعاد دول مجلس التعاون عن إسرائيل، وإجهاض أي تفكير في قيام تعاون أمني بين الطرفين بشكل استباقي.
منذ فترة، انتشرت إعلامياً تكهنات وتقارير عن قيام تحالف خليجي ـ إسرائيلي يستهدف إجهاض الطموحات النووية الإيرانية، ولم تثبت الأيام صحة هذه التقارير، وأكدت حرص دول مجلس التعاون على عدم التورط في أي تحالف يستهدف طرف إقليمي آخر. وقناعتي أن الأمر هذه المرة ليس ببعيد عن ذلك، فلم تتغير سياسات دول مجلس التعاون، كما لم يتغير السلوك الإيراني بالشكل الذي يدعو لقبول تصريحات المسؤول الإيراني والتسليم بها.
والتساؤل المطروح هنا هو: لماذا لا تنفي دول مجلس التعاون التصريحات الإيرانية لو كانت غير صحيحة أو غير دقيقة والجواب ببساطة أن هذه التصريحات تصب تماماً في مصلحة دول مجلس التعاون لأنها تبعث برسالة للحليف الأميركي المتقاعس عن أداء دوره والتزاماته في الخليج، بأن إستمرار هذه السياسة يعني البحث عن البديل.
في الأخير، يبدو مرجحاً في ظل رغبة الولايات المتحدة وحرصها على تفادي الانخراط في أي تصعيد عسكري مع القطع البحرية الإيرانية في الخليج العربي، أن تتجه دول مجلس التعاون لصياغة ترتيبات وتفاهمات تحمي السفن والقطع البحرية التابعة لها من حوادث الاستهداف والاحتجاز، التي يقوم بها الإيرانيون بين الفينة والأخرى، وربما يتم التوافق والتفاهم على إجراءات معينة ومحددة كبرهان على التعاون المشترك، وحيث يتوقع البعض أن يرتقي الأمر إلى حد إجراء مناورات بحرية مشتركة، وهو أمر غير مرجح بالمرة ـ في تقديري ـ على الأقل خلال المدى المنظور، ولكن في كل الأحوال لن ترتقي هذه الصيغ جميعها ـ على الأرجح ـ إلى حد إعلان تحالف بحري أمني عبر ضفتي الخليج.