شن الحوثيون في اليمن، وهم عناصر مسلحون مدعومون من الجمهورية الإسلامية، هجوماً على تجمع سلمي للبهائيين في مدينة صنعاء أمس حيث تم اعتقال و اختفاء 17 شخصاً من بينهم 5 سيدات. تمت عملية الاعتداء في يوم 4 يونيو/ حزيران ولا يزال مكان وحالة المعتقلين مجهولة.
حدث الهجوم أثناء تجمع لعدد من البهائيين في منزل بصنعاء لانتخاب الهيئة الحاكمة الوطنية للطائفة البهائية في اليمن.
الجدير بالذكر أن العقيدة البهائية، والتي لا تسلسل هرمي ديني لها، تعقد اجتماعات سنوية في جميع أنحاء العالم لاختيار الهيئات التمثيلية المسؤولة عن إدارة شؤون الطائفة البهائية في كل بلد.
كان رد فعل الجمعية البهائية العالمية (BIC) على عملية الاعتقال فوري، إذ قامت بإصدار بيان يطالب بالإفراج الفوري عن المعتقلين.
وأدانت الجمعية البهائية العالمية الهجوم باعتباره انتهاكًا "صريحاً" ومسلحًا لحرية الدين أو المعتقد، ناهيك عن انتهاك الحقوق المعترف بها دوليًا حول حرية التجمع والمشاركة في الأنشطة الدينية والاجتماعية.
وأعربت باني دوغال، الممثلة الرئيسية للجمعية البهائية العالمية لدى الأمم المتحدة، عن قلقها إزاء الحادث إذ قالت: "في جميع أنحاء العالم العربي نرى الحكومات تسعى جاهدة للعمل من أجل السلام ونبذ الخلافات الاجتماعية التي عفا عليها الزمن وتعزيز التعايش السلمي والتطلع للمستقبل." وأضافت دوغال: "لكن في صنعاء تتجه سلطات الأمر الواقع الحوثية في الاتجاه المعاكس، حيث تقوم بمضاعفة اضطهاد الأقليات الدينية وشن غارات مسلحة وقحة ضد المدنيين المسالمين والعزل." كما قالت: لقد قام الحوثيون بانتهاك حقوق الإنسان للبهائيين وغيرهم مرارا وتكرارا وهذه المخالفات يجب أن تتوقف."
وأضافت أيضاً: "حتى أثناء المحادثات الحالية لإنهاء الحرب في اليمن، نرى أن سلطات الحوثيين تواصل الانخراط في أعمال العنف والاضطهاد ضد شعبها." يريد البهائيون اليمنيون خدمة وطنهم ومساعدته في التغلب على تحدياته الحالية والعمل على دفع عملية السلام والازدهار. كم هو مأساوي في هذه اللحظة المثالية أن تختار السلطات الحوثية التصرف بهذه الطريقة المخزية."
كما دعت دوغال إلى إطلاق سراح البهائيين اليمنيين المعتقلين قائلة بأنه "يجب على المجتمع الدولي الآن استخدام نفوذه لإجبار الحوثيين على احترام حقوق الإنسان لجميع المواطنين اليمنيين، وذلك بداية بالإفراج عن البهائيين الـ 17 أو أكثر، والذي تم القبض عليهم أثناء هذه المداهمة العنيفة والغير مبررة."
يقيم ما يقرب من 2000 من أتباع الديانة البهائية في اليمن، ويعود وجودهم في البلاد لأكثر من قرن مضى. حافظت الحكومة اليمنية على علاقات سلمية نسبيًا مع البهائيين قبل اندلاع الحرب الأهلية، لكن هذه العلاقات بدأت بالتدهور في السنوات التي سبقت استيلاء الحوثيين على السلطة.
واجهت الطائفة البهائية في شمال اليمن تحديات كبيرة خلال الحرب العراقية الإيرانية فقط وذلك في ثمانينيات القرن الماضي. بدأت الشكوك خلال هذه الفترة حول علاقة أصحاب هذه العقيدة مع إيران. إلا أن السلطات اليمنية أدركت في النهاية أن البهائيين لا علاقة لهم بالحكومة الإيرانية.
في أعقاب الحرب الأهلية وسيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء بدعم من إيران، بدأت هذه المجموعة المسلحة برنامج اضطهاد ضد البهائيين اليمنيين. واجه العديد من البهائيين في اليمن منذ عام 2016 اعتقالات تعسفية وسجنًا بتهم ملفقة، حتى أن بعض القضايا أسفرت عن أحكام بالإعدام أصدرتها محاكم متحيزة. خلال مداهمات منازل وأماكن عمل البهائيين، صادرت القوات الحوثية الهواتف والممتلكات وجوازات السفر. وبعد ذلك بدأوا بممارسة الضغط على أقارب وأصدقاء البهائيين المحتجزين مطالبين بدفع فدية للإفراج عنهم.
رسمت عملية سجن البهائي اليمني البارز حامد بن حيدرة في أواخر عام 2013 خارطة الطريق عن نمط الاضطهاد الذي يواجهه البهائيون منذ استيلاء الحوثيين على السلطة عام 2014. إذ تم اعتقال حامد قبل استيلاء الحوثيين على صنعاء. و منذ ذلك الحين تصاعد هذا الاضطهاد وأصبح يأخذ شكل عقوبات قانونية ممنهجة بعد استيلاء الحوثيين على السلطة.
في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2013، اعتقل عناصر الأمن حيدرة أثناء عمله في مصنعه واختفى بعد ذلك لمدة تسعة أشهر. تم اقتياده إلى سجن صنعاء حيث تعرض لتعذيب شديد. وأُجبر لاحقًا على بصم 16 صفحة فارغة ببصمات أصابعه. تم بعد ذلك ملء هذه الصفحات باعترافات كاذبة لفّقها عناصر الأمن، مثل مزاعم لا أساس لها من الصحة عن كونه جاسوس يعمل لصالح إيران وتورطه في تجنيد أفراد لمحاربة السلطات.
نُقل حيدرة بعد تسعة أشهر إلى سجن المباحث الجنائية في صنعاء واتُهم رسمياً بتعريض الأمن القومي للخطر. خلال هذه الفترة تمكن من إجراء أول مكالمة هاتفية مع أسرته لإبلاغهم بأنه لا يزال على قيد الحياة. بعد فترة وجيزة، سيطرت القوات الحوثية على صنعاء بما في ذلك السجن. في البداية أقر الحوثيون بأن المزاعم ضد حيدرة غير مثبتة. لكن المسؤولون الحوثيون قاموا لاحقا بتوجيه اتهامات مماثلة ضد حيدرة، باستثناء أنهم اتهموا حيدرة هذه المرة بالتجسس لصالح إسرائيل بدلاً من إيران.
بعد تولي الحوثيون للسلطة، تم إحضار حيدرة للمثول أمام المحكمة عدة مرات و لكن في كل مرة كان القاضي يرفض القضية بسبب نقص الأدلة. ظل حيدرة محبوسًا لمدة أربع سنوات حتى أصدر القاضي حكمًا بالإعدام بحقه في يناير/ كانون ثاني من عام 2018 وتمت مصادرة ممتلكاته.
طعن فريق حيدرة القانوني في هذا الحكم واستمرت الجلسات لمدة عامين آخرين. في شهر مارس/آذارعام 2020 أقرت المحكمة عقوبة الإعدام. إلا أنه وفي نهاية الشهر نفسه قام مهدي المشاط، وهو رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، بإصدار عفو عن جميع السجناء البهائيين. في يوليو/ تموز، نُقل حيدرة وخمسة سجناء بهائيين آخرين بشكل مفاجئ إلى طائرة تابعة للأمم المتحدة في مطار صنعاء الدولي وتم إرسالهم قسراً إلى المنفى. لم يتم منحهم فرصة لتسوية شؤونهم في البلاد واستعادة ممتلكاتهم.
وحاليًا، يقيم هؤلاء السجناء السابقون في لوكسمبورغ حيث يتلقى حيدرة العلاج الطبي من الإصابات التي لحقت به أثناء التعذيب والتي أثرت على قدرته على السمع و الحركة.