Skip to main content

فروغ فَرُّخزاد؛ شاعرة التمرّد وعاشقة الرسائل

فروغ فرخزاد
AvaToday caption
يُجمع النقاد الإيرانيون على أن شعر فرخزاد شكّل نموذجاً واضحاً لتحوّل الشعر الإيراني من الشكل التقليدي إلى الشكل الحديث
posted onJanuary 21, 2019
nocomment

ولدت الشاعرة الإيرانية المعاصرة فروغ الزمان فرخزاد في العاصمة طهران عام 1934، في بيت يعود إلى العهد القاجاري، وتجدد الحديث عنه قبل فترة ليعيد إلى الأذهان صورة راحلة عاشت حياتها بعيداً عن الرتابة والهدوء وأحلام المراهقات التقليدية، وشهدت مسيرتها جدلاً واتهامات ومحاكمات.

عرفت فروغ معنى المأساة مبكرا بعد أن نالها قسط من نصيب القاصرات في عصرها، فتزوّجت في سن السادسة عشر من الكاتب الساخر برويز شابور، لكنها انفصلت عنه عقب سنتين بعد إنجاب طفل واحد اسمه كاميار.

حصل الأب على حضانة الطفل واستكملت فرخزاد مسيرتها الأدبية لتصدر أول ديوان لها عام 1955، حيث خصصت لطفلها قصيدة بعنوان “قصيدة لك”.

كنت تلك المفجوعة المقترنة بالفضيحة والعار

الهازئة من الكلام اللاذع

قلت فلأكن صدى كينونتي

لكنني وا أسفاه امرأة كنت

عندما تقع نظرات عينيك البريئتين

على هذا الكتاب

المبعثر الذي لا بداية له

سوف ترى التمرّد المتجذّر للعصور مزدهراً في كل صوت وأغنية”.

عانت فرخزاد من الصراع العائلي والاجتماعي الدائر حولها، خاصة مع والدها، وهو الذي تقول عنه إنه لم يعرفها ولم يحاول أن يتعرّف عليها، وكانت هذه المعاناة جليّة في قصائدها أمام القارئ.

وسط هذه الظروف وجدت فرخزاد السفر وسيلة للهرب، فكان لخروجها من قوقعة المجتمع الذكوري وصراعها معه تأثير جذري على شِعرها بحسب النقاد المتابعين، وتميزت حياتها القصيرة بالاختزالات، فتذوقت من كل شيء بلا شبع وهي التي قالت “لا أريد أن أشبع، بل أريد أن أصل إلى فضيلة الشبع”.

 

فرّخزاد

 

وهذا بعض ما كتبته لتعبّر عن رغبتها بالتحرّر من بعض ما فُرض عليها:

سوف أحيي الشمس من جديد

وسوف أحيي جدول الماء الذي يتدفق بداخلي

وسوف أحيي السحب التي كانت بمثابة أفكار طويلة”.

شعر فرُّخزاد كان من بين الأشعار الفارسية المعاصرة التي حظيت باهتمام كبير لدى المترجمين العرب وغير العرب على حد سواء، وقد عمد بعض المترجمين العرب لترجمة أعمالها أكثر من مرة خوفاً من عدم إعطاء شِعرها أحقيّته، ومنهم محمد الأمين وغسان حمدان ومحمد نور الدين وآخرين. أما أكثر أشعارها ترجمة فكانت من نصيب “لنؤمن ببداية فصل بارد”.

وهذه أنا

امرأة وحيدة.

على أبواب فصل بارد،

في بداية إدراك وجود الأرض الملوث،

والسماء الحزينة المنبسطة باليأس

وعجز هذه الأيدي الفضية

مرّ الزمان،

مرّ الزمان ودقت الساعة دقات أربع،

دقت أربع دقات

واليوم أول يناير

أعلم سرّ الفصول

وأفهم كلام اللحظات

المخلّص الذي نام في القبر

والتراب التراب القابل على راحته

يكاد يُجمع النقاد الإيرانيون على أن شعر فرخزاد شكّل نموذجاً واضحاً لتحوّل الشعر الإيراني من الشكل التقليدي إلى الشكل الحديث، معتبرين أن أعمالها تتسم ببساطة الألفاظ والسلاسة وكثرة الإيحاء وغزارة الأحاسيس.

وتطرّقت هذه الشاعرة في قصائدها إلى مواضيع عدة، كالحب والموت والفناء واليأس وانعدام الأمل والتشاؤم، بالإضافة إلى ذكريات الماضي والحنين إلى الحياة العائلية، ولم تبتعد بالطبع عن نقد المجتمع بعاداته وتقاليده.

فروغ هي التي كتبت في إحدى المرات تعبيرا عن فشل روحها في الخروج من الحصار المطبق عليها قائلة “أتمنى أن أقف على ذلك الخط الذي يصل البحر بالأفق ويبتعد عن كل شيء وانتقل كريشة خفيفة ولكن ذلك لا يتحقق”.

فيظهر الألم والتعب بشكل واضح في كلمات الشاعرة الإيرانية، إلا أنها في النهاية كانت راضية بعض الشيء، وهو ما يرد في إشارتها إلى ما لاقته خلال إحدى سفراتها ولقائها مع المخرج ابراهيم غلستان، الذي أشعل فيها روحاً أخرى ودفعها نحو نوع جديد من الشعر، وقد تركت إحدى قصائد هذا النوع استفهامات عند القرّاء، هي قصيدة الوردة الحمراء:

 

فرّخزاد

 

وردة حمراء

وردة حمراء

وردة حمراء

هو اقتادني إلى مزرعة الورود الحمر

في الظلمة علّق على جدائلي المضطربة وردة حمراء

ثم ضاجعني على وريقة وردة حمراء

أيتها الحمائم الكسيحة

أيتها الأشجار اليائسة الساذجة

أيتها النوافذ العمياء

تحت قلبي

بين حنايا خصري

ثمة وردة حمراء تنمو

حمراء كبيرق سامق يوم قيامة

آه، حبلى أنا حبلى، حبلى”.

تعاونت فرخزاد مع المخرج غلستان في أعمال سينمائية عديدة، بعد أن ذهبت إلى المملكة المتحدة عام 1960، وعندما عادت توجهت إلى مدينة تبريز لتصوير بعض الأعمال القصيرة مع المخرج نفسه، منها فيلم وثائقي حول حياة مرضى الجذام اسمه “البيت الأسود”، والذي فاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان بيزارو الإيطالي.

تمنّت الشاعرة الإيرانية صاحبة السيرة المثيرة للجدل أن تحيا مرات أخرى وفي أزمنة تخلو مما عايشته في مجتمعها، ولعلّ هذا ما حصل عندما كتبت أختها الشاعرة والباحثة بوران فرخزاد مقالات عن سيرتها الذاتية، وعندما صدر كتاب “فروغ فرخزاد: سيرة أدبية ورسائل غير منشورة”، للباحثة ميلانه فرزاني أستاذة الأدب الفارسي في جامعة فرجينيا في الولايات المتحدة، وقد تسبب نشر هذا الكتاب بموجة من الجدل في الوسط الإيراني، بسبب ما حملته من رسائئل غرامية تبادلتها فرخزاد مع غلستان. ومما قالته هنا:

حبيب قلبي وروحي. هذه آخر رسالة أبعثها إليك من روما، غدًا سأغادر عبر رحلة جوية، لا يمكنك أن تتخيّل حجم سعادتي وأنا أتجه إلى مكان كنتَ تعيش فيه، شعور يخفف عني الإحساس الثقيل بالغربة، كان لي شعور مماثل حين كنتُ في شيراز. حينما كنتُ أسير في شوارعها، كان يتملّكني شعور بأنني أرافق طفولتك وصباك، وحين كنت أشم الهواء، كنت أشعر أنني أستنشق أنفاسك الغالية، وكانت عيناي تلاحق ذكرياتك فوق الأبواب والجدران وتعود راضية. فديتك، فديت قامتك ووجودك، فديت الشعر الأبيض خلف رقبتك، فديت بؤبؤي عينيك الحائرين، فديت حزنك وسرورك. ما أنت الذي لا يمكنني أن أهدأ من دونك؟ يكفيني أثر قدمك على التراب، يكفيني ذلك. يكفيني كي أثق بك، كي أقف، كي أكون. يكفي أن تناديني فروغ، فأولد ثانية وتولد معي العصافير والأشجار.. أحبك، أحبك، ولا طاقة لقلبي الصغير بكل هذا الحب،

آه فديتك يا حبيبي، قلبي يتوق إلى وجودك في غرفة نومي، يتوق إلى تلك الظهيرات المنعشة وأحلام الظهيرة المذهلة، قلبي يروم جسدك العاري ملتصقًا بجسدي العاري، ترى هل سيتحقق حلمي وأراك مرة أخرى، وأقبّل شفتيك؟ فديت شفتيك العزيزتين، فديت عينيك العزيزتين، فديت ربّاط حذائك.. كم أحبك، كم أحبك، كم أحبك.”

ونتيجة رسائلها الغرامية لاقت فرخزاد الكثير من الانتقادات اللاذعة والمحاكمات والاستجوابات الإعلامية، ليرى البعض أن المنتقدين تناسوا القيمة الأدبية لتلك النصوص التي كُشف عنها مؤخرا، وكونها تشكّل جزءا من سيرة وشخصية الشاعرة المتمردة.

فروغ فرخزاد التي لاقت مصيراً وصفه البعض بالغامض، توفت في حادث سيارة في شباط/ فبراير 1967، وتقول رواية إنها انحرفت عن الطريق بشكل متعمّد بسبب ظهور حافلة نقل تلاميذ مدرسة على طريق يصل بين دروس وقلهك، فدُفنت في مقبرة “ظهير الدولة” في طهران، وربط البعض بين هذا الحدث وقصة حبها مع غلستان، فصمتُ الأخير ساهم في تعزيز هذه الشكوك.

تركت فرّخزاد الشابة العديد من الأعمال الأدبية والشعرية منها الأسير، والجدار، والعصيان، ومولد آخر، ولنؤمن ببداية فصل البرد.

وتركت كذلك منزل العائلة الذي أبصرت فيه النور فأعادها المنزل نفسه للمشهد بعد رحيل مبكر وأيقظ حب قرّائها، وصحيح أن ملكية البيت الموجود في طهران لا تعود لها وإنما لشخص اشتراه من والدها، لكن سماع خبر احتمال هدمه وهدم ذكريات شاعرة تركت بصمة في أعمالها، أثار حفيظة محبيها ممن دعوا للحفاظ على التراث الثقافي الإيراني، ولتسجيل المنزل في لائحة الآثار الوطنية ما يعني منع تخريبه، أو بيعه للبلدية التي تستطيع منح تعويض لأصحابه، لتؤكد مصادر من مؤسسة الميراث الثقافي أنه أصبح مدرجا ضمن لائحة تمنع تخريبه، ما هدّأ من روع محبي المتمردة الراحلة ممن يحرصون على زيارة بيتها ومنطقتها ليتعرفوا على البيئة التي أثّرت على شعرها.