رفيق خوري
في كتاب "لينين غير المعروف: من الأرشيف السري" الذي أصدرته جامعة ييل، قصة حادثة معبرة جداً. في أغسطس (آب) عام 1918، قال زعيم الحزب البلشفي وقائد الثورة فلاديمير لينين لمعاونيه: "علقوا على الأعمدة 100 من الكولاك المعروفين، الأغنياء مصاصي الدماء، ارفعوهم بطريقة تراهم الناس على بعد كيلومترات، فيغضب الشعب ويشنق مصاصي الدماء". قال له أحد رفاقه بعد إعدام الخصوم بلا محاكمة: "لماذا نحتاج إلى مفوض عدل؟ الأفضل أن نسميه مفوض الإبادة الاجتماعية".
رد لينين: "معك حق، لكننا لا نستطيع أن نقول ذلك علناً".
وهذا ما ينطبق على ما يفعله اليوم النظام الإيراني ضد شعب إيران: يحكم بالإعدام على شبان يشاركون في التظاهرات الداعمة لـ"ثورة النساء"، وتنفذ الأحكام من دون أن يرف جفن المرشد الأعلى علي خامنئي حتى أمام شقيقته التي انتقدت "استبداده" قبل أن يسجن ابنتها الشابة.
وليس ذلك من المفاجآت.
فمن سمي "قاضي الموت" وكان ضمن مجموعة قضاة من أصحاب العمائم، نفذوا قرار الإمام الخميني بإعدام نحو ألفي مناضل شاركوا في الثورة على الشاه وأرادوا حكومة وطنية، هو اليوم رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي.
والمحاكمات الصورية التي تستغرق مجرد ساعات أمام قاض من النظام الإيراني قبل الحكم بإعدام الناشطين، هي مهزلة في إطار مأساة. وهذا آخر ما يمكن أن يسمى "حكم القانون الإلهي". إنه حكم الاستبداد السياسي باسم الدين، وإن قال الإمام الخميني إن "الحكومة الإسلامية هي توأم الإيمان بالولاية، وهي حكومة القانون الإلهي، والحاكم فيها هو الله وحده والمشرع هو الله وحده".
شيء من تصفيات ستالين لرفاقه من أجل التسلط تحت عنوان الأيديولوجيا، بحيث أمر بقتل زوجة السكرتير المقرب منه ومدير مكتبه الذي لا أحد يدخل إلى مكتب ستالين من دون أن يسمح له بذلك، لأنه شك في أنها تحمل أفكاراً تروتسكية، وطلب من وزير الداخلية الرهيب بيريا تنفيذ الأمر، فسارع إلى ذلك، ثم أرسل سلة فواكه إلى ابنتيها في المنزل. وشيء من إرهاب الدولة لشعبها إلى جانب كونها "راعية الإرهاب" في الشرق الأوسط والعالم.
لكن استخدام العنف المفرط القاتل ضد الشعب دفاعاً عن النظام هو عملياً اعتراف ضمني بسقوط أو اهتزاز شرعية النظام. وهذا ما رآه مبكراً آية الله حسين علي منتظري الذي كان نائب الخميني قبل عزله، فقال: "نظام سياسي مبني على القوة والقمع والقتل وتغيير أصوات الشعب، يسجن النخبة المتنورة ويجبرها على الاعترافات المزيفة هو نظام مدان وغير شرعي".
وهو دفع الثمن وبقي عنف النظام.
وهذا أيضاً ما قاله مهدي كروبي الذي هو في الإقامة الجبرية منذ عام 2009 بسبب احتجاجه على تزوير الانتخابات الرئاسية: "خامنئي يريد تحذير كل من يتحدى استبداده الفردي بوسائل القمع ومنها الإعدام، وهو غير مدرك أن نظرية النصر بالرعب لم تعد فعالة. وإعدام محسن شكاري جاء تمهيداً لإزهاق الأرواح بحسب ما يرضي أصحاب السلطة".
وقد تكررت سلسلة الأحكام بالإعدام وصار تنفيذها علناً مع تهديد أهل الضحايا. ولا حدود لفظاعات ما يحدث في السجون للمعتقلين، إلى درجة أن شاباً من الأحواز انتحر بعد خروجه من السجن. ولم يعد الرئيس السابق محمد خاتمي قادراً على الصمت المفروض عليه، فرأى في شعار "امرأة، حياة، حرية" رسالة "رائعة" تعكس التحرير في اتجاه مستقبل أفضل. وقال: "يجب ألا يداس على الحرية من أجل المحافظة على الأمن".
وليس من السهل بعد كل ما حدث ويحدث استمرار النفاق باسم الله، فمن يصدق أن "الحاكم هو الله" في نظام القتل والقمع والعنف؟ وكيف يمكن أن يستمر في "تصدير" هذا النوع من ثورة الغيب إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن وسواها؟ لا أحد يجهل أن لدى النظام من وسائل القمع والقوة ما يسمح له بالصمود في وجه ثورة النساء والمثقفين والفنانين والنخبة والطبقة الوسطى وطلبة الجامعات والكورد والبلوش والعرب. والقوى الخارجية التي يخدمها بقاء النظام، ولو ادعى أنه ضدها، ليست قليلة. ولسان حال الثوار في مخاطبة هؤلاء هو: "لا تدعمونا ولكن لا تنقذوا النظام". غير أن العد العكسي للتغيير بدأ بانكشاف "شرعية" النظام الإيراني.