Skip to main content

الشعب الإيراني يناشدكم

ثورة النساء
AvaToday caption
هذه هي صورة الثورة في إيران وهي تدخل شهرها الثالث، فيما يزداد أوارها، وتتطور قدرتها التنظيمية على هزيمة أزلام الديكتاتور. هذا هو شعب إيران الجبار الذي صبر طويلاً لثلاثة وأربعين عاماً
posted onNovember 19, 2022
nocomment

خالد اليماني

تتشابك العقدة الإيرانية، وتزداد احتمالات انهيار حكم الملالي، فالنظام بات يترنح أمام قوة الهبة الشعبية العظيمة على رغم ممارساته المستمرة العنف الغاشم بكل أدواته القمعية بمكوناتها الأمنية، وعصابات الباسيج، وميليشيات الحوزات الدينية، والعصابات الأجنبية من لبنان والعراق، بما في ذلك تدخل الحرس الثوري والجيش الإيراني الذي أعلن قادته صراحة أنهم سينتشرون بكامل قواتهم وعتادهم في المدن الإيرانية لقمع الشعب الذي يفترض أن يكون الحامي والمدافع الأول عن أمنه وسلامته.

بات الشعب الإيراني كله بمكوناته الثقافية والعرقية المختلفة متحداً في شوارع 193 مدينة في محافظات إيران الحادية والثلاثين، في مطالبته بحقه المشروع لإسقاط الديكتاتورية الثيوقراطية لرجال الدين، ورفض أجنداته التوسعية الإرهابية، وهو يرى ملالي الفتنة يسرقون خيراته. لقد بات هذا الشعب في نظر نظام خامنئي عميلاً ومتآمراً مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب، لأنه تطاول على حق خامنئي الإلهي في الحكم فحسب.

إيران اليوم منقسمة، فمن جهة تقف غالبية الشعب المغلوبة على أمرها وقد طفح منها الكيل، وخرجت إلى الشوارع بلا رجعة لقلب نظام الحكم، ولسان حالها يقول أريد أن أعيش حراً، وأنا على استعداد للموت من أجل نيل حريتي، بدلاً من الموت البطيء كل يوم وكل ساعة على يد جلاوزة النظام وعصابات الباسيج الدينية. ومن جهة أخرى، تقف الآلة القمعية للنظام وهيئات ديكتاتورية الملالي وهي تشبه بمجملها شركة مساهمة يتنافس الشركاء وأصحاب الحصص فيها للاستفادة من خيرات النظام الثيوقراطي الذي يقوده خامنئي، وينهبون معاً خيرات البلاد.

اليوم، هذه الفئة الظالمة تعيش لحظات رعب وكوابيس في صحوها، وهي ترى الثورة تشتعل، وغضبها يلاحق الطغاة وأزلام النظام في الشوارع والجامعات والمدارس والأسواق التجارية. ويقدم الإيرانيون نموذجاً لمعاقبة رجال الدين الدجالين الذين يهانون في شوارع المدن الإيرانية بإسقاط عمائمهم عن رؤوسهم لأنهم باتوا أبعد ما يكونون عن الدين، وهو منهم براء، فقد باعوا شعبهم بثمن بخس ووقفوا مع جلاديه. ومن يزيد مشهد الثورة الديمقراطية جمالاً هو النساء وشباب الجامعات والعمال وتجار البازار والرياضيون والفنانون والممثلون والفاعلون في التواصل الاجتماعي يصرخون بصوت واحد لإسقاط حكم الملالي.

هذه هي صورة الثورة في إيران وهي تدخل شهرها الثالث، فيما يزداد أوارها، وتتطور قدرتها التنظيمية على هزيمة أزلام الديكتاتور. هذا هو شعب إيران الجبار الذي صبر طويلاً لثلاثة وأربعين عاماً، ولكنه اليوم تفجر براكين ستحرق مشروع "الجيوبوليتيك الخميني" و"دولة أم القرى"، لحكم العالم الإسلامي. إن بوادر انهيار الدولة العميقة التي تخفت لسنوات طويلة خلف قشور المؤسساتية الشكلية، وحيث يقف الحرس الثوري على رأس القوى الحامية للطاغية ونظامه، تبدو اليوم أكثر جلاء.

وعلى رغم استشهاد المئات في مختلف مواقع الشرف للثورة الديمقراطية الإيرانية، واعتقال عشرات الآلاف ممن اكتظت بهم السجون، وعلى رغم أحكام الإعدام التي طاولت العشرات من قادة الثورة، تزداد قوة الشعارات المرفوعة، وأبرزها "الموت للديكتاتور" و"الموت لخامنئي"، فقد سقط الخوف وبات الإيراني يتلقى الرصاص بصدر مفتوح، وبات الهدف واضحاً، ولم يكن كذلك في مختلف الهبات الوطنية الإيرانية السابقة.

اليوم هدف المظاهرات ليس الخبز ورفض المعيشة الضنك التي يعيشها الإيراني، ولا تغيير الحكومة، فقد افتضحت كذبة الانتخابات وتدوير أزلام النظام، مع وصول إبراهيم رئيسي إلى رئاسة الجمهورية، ولم تعد تنطلي على الإيرانيين لعبة الإصلاحيين والمحافظين التي أجاد النظام لعبها خلال العقود الأربعة الماضية، حتى ظهور الرئيس الأسبق (الإصلاحي) محمد خاتمي وبياناته الأخيرة نظر إليها الشارع الثوري بأنها محاولة يائسة من خامنئي لتدوير عناصر النظام، ومحاولة لركوب الشارع وامتصاص غضبه كي لا تسقط الدولة الثيوقراطية.

إن شعارات الثورة الديمقراطية الإيرانية تتركز هذه الأيام على إسقاط ديكتاتورية رجال الدين الذين دمروا البلاد وحولوها إلى دولة منبوذة من قبل جميع دول العالم، ثورة من أجل بناء دولة ديمقراطية مسالمة تعيش لخير شعوبها وقومياتها المختلفة، وفي تعاون وتكامل مع إقليمها والدول المجاورة.

إن ما يميز ثورة 16 سبتمبر (أيلول) في إيران هو أنها سياسية بامتياز، وأن هدفها واضح، وأن النساء الإيرانيات في مقدمة الصفوف وفي قيادة الثورة، وأن قوميات إيران ومكوناتها الثقافية المختلفة تقف موحدة لتحقيق هدف الثورة، وأنه للمرة الأولى منذ ولادة ديكتاتورية الملالي تهرب عناصر الأجهزة القمعية وعصابات الباسيج المدججة بالسلاح من المواجهة مع شعب أعزل.

تحريك أصابع الشر

أمام ثورة الشعب الإيراني يعمد نظام الملالي إلى صرف الأنظار وتوجيه انتباه المجتمع الدولي عما يحدث في الداخل، فهو يقوم في هذه الأيام بحث حرسه الثوري المسجل على قوائم الإرهاب الدولي، وأذرعه الإرهابية في اليمن والعراق ولبنان، لنشر الفوضى لتنفيس الضغط، وقد بدأت تباشير ذلك بمهاجمة الحرس الثوري من قاعدته في جنوب إيران والمشرفة على بحر العرب بمسيرة من نوع شاهد 136 ناقلة نفط تحمل العلم الليبيري يقال إنها مملوكة لمواطن إسرائيلي.

أما لماذا استهداف مصالح إسرائيلية فهذه باتت لعبة مكررة لعلم الملالي أن الدخول في مواجهة شكلية محسوبة العواقب مع تل أبيب ستعود بنفع كبير لتهدئة الداخل الإيراني، تكراراً لخطاب المقاومة الذي استثمرته إيران طويلاً، والذي يعرف الجميع أنه لن يستعيد الحق الفلسطيني السليب، إنما يدمر تطلع الشعب الفلسطيني لبناء دولته المستقلة على أرضه المحتلة، بل هو خطاب للتسويق الداخلي، يأمل النظام نفسه من خلاله استعادة إحكام السيطرة على الشارع. وهذه أيضاً لعبة من ألاعيب النظام لم تعد تنطلي على شعب إيران العظيم.

ومن المتوقع زيادة عمليات الاستفزاز التي يمارسها الحرس الثوري في مضيق هرمز، واحتجاز السفن التجارية وقطرها إلى الموانئ الإيرانية التي فشل المجتمع الدولي وما زال في ردعها، واستهداف الممرات المائية الدولية في الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر، وهي قرصنة اعتاد عليها الحرس الثوري وسفن البحرية الإيرانية. ويتوقع مراقبون أن تشهد المرحلة المقبلة عمليات إطلاق المسيرات والقوارب المتفجرة السريعة في منطقة جنوب البحر الأحمر.

ومما لا يتوقعه خامنئي أن يكون مثال الثورة الديمقراطية الإيرانية مزلزلاً على أتباع إيران وعملائها في المنطقة، فقد بدأ الصراخ مسموعاً من بغداد، حيث عبر ملالي العراق عن خشيتهم من فكرة استنساخ تجربة الثورة الشعبية الإيرانية لإسقاط العمائم وإهانة الدجالين في المدن العراقية، خصوصاً مع وصول الغضب الشعبي العراقي إلى درجات غير مسبوقة، مع تحميل العراقيين الأحزاب الدينية التابعة لإيران الكوارث التي لحقت وما زالت تلحق بالعراق.

التضامن الدولي

إن ثورة الشعب الإيراني الديمقراطية تستحق تضامناً صادقاً من دول العالم، وهو التضامن الذي لم يأت بعد، وما زال يراوح في إطار البيانات والشجب والتنديد. فهل هذا هو التضامن الذي يستحقه الشعب الإيراني وهو يقارع أكثر الأنظمة دموية في المنطقة؟ اليوم، مع بلوغ اللحظة الحاسمة لإسقاط النظام المنبوذ دولياً، والذي تضررت منه شعوب العالم، وأحدث أضراراً جسيمة في التركيبة السكانية والاجتماعية بهدمه فكرة العيش المشترك والتعاون والانسجام الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.

إن الأمر يستدعي الإسراع في إدراج قيادات النظام وأجهزته القمعية في قوائم الإرهاب الدولي، وحظر السفر وتجميد الأرصدة لمكونات النظام أينما كانت، والانتقال لتقليص مستوى التمثيل الدبلوماسي مع دولة الملالي والتصعيد معها في ضوء القانون الدولي بما يدعم الثورة الديمقراطية، وصولاً إلى قطع العلاقات مع نظام خامنئي.

ثورة الإيرانيين الديمقراطية تناشدكم لأن ساعة الحسم قد أزفت، ولأنها تشكل مفتاح الخلاص لأزمات إيران المستعصية، وللأزمة النووية التي تقلق العالم، ولأزمات المنطقة، وستؤدي إلى قطع يد ملالي إيران من التدخل في شؤون بلداننا العربية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.