فاروق يوسف
بتعيين محمد شياع السوداني رئيسا للحكومة العراقية الجديدة اطمأنت إيران إلى مستقبل نفوذها في العراق وخسر الشعب العراقي فرصة أن تكون الهيمنة الإيرانية أقل تأثيرا على الأوضاع في بلادهم.
هل كانت إيران جادة في قلقها؟
المكاسب الإيرانية من بقاء العراق ضعيفا، مغيب الهوية، محكوما بطريقة يغلب عليها التنابذ وتسود فيه لغة الكراهية ومنقسما على نفسه، حكومة وشعبا، نظاما وأحزابا وأخيرا أملا كاذبا ويأسا كاتما للأنفاس، مكاسب إيران من ذلك كثيرة، بل أن جزءا من حيوية النظام الإيراني مستمد من ثروات العراق المهربة إليها عبر قنوات الأحزاب والميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني.
كانت إيران قلقة من انقلاب الوضع عليها في العراق عبر سنة من وقوع العراقيين ضحية للآمال التي أشاعها مقتدى الصدر عن قرب قيام الدولة الوطنية بالرغم من أنها كانت تدرك أن الصدر له توقيتات محددة بزمن معين لا يمكنه أن يستمر بعده.
فالصدر غير مرغوب به أميركيا. كما أنه لا يقوى أن يكون خارج الحظيرة السياسية الشيعية إلا إذا قرر اعتزال العمل السياسي. وهذا ما جرى بعد أن أدى مهمته على أكمل وجه.
عبر سنة من الأخذ والرد والشعارات الجوفاء عن الإصلاح ومحاربة الفساد ونزع سلاح الميليشيات فاجأ الصدر أنصاره بإنسحابه من العملية السياسية وتسليمه مفاتيح مجلس النواب لتحالف الإطار التنسيقي الذي يقوده نوري المالكي. ذلك التحالف الذي يتألف من مجموعة الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران والتي كانت قد خرجت من انتخابات 2021 خاسرة أو شبه خاسرة. تلك صفعة تلقاها الشعب العراقي ولم يفق من تأثيرها حتى الآن وقد لا يفيق منها عبر السنوات الأربع القادمة.
تلك واحدة من مفارقات العراق الجديد الذي أقامته الولايات المتحدة عام 2003 وقد سعدت الدولة العظمى بالتحول الديمقراطي الذي شهده ذلك العراق حيث صار تزوير نتائج الانتخابات يتم داخل أروقة مجلس النواب. فبدلا من النواب المنتخبين جلس على المقاعد أشخاص لم ينتخبهم أحد، فكانت تلك أكبر عملية نصب واحتيال وتزوير تشهدها الديمقراطية الحديثة.
ولو حدث في أي بلد في العالم ما حدث في العراق لاعتبرته الولايات المتحدة انقلابا على الديمقراطية فهي لا تغفر للسيسي انقلابه على اخوانيي مصر كما أن علاقتها بالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات تعكرت منذ أن طردت الدولتان جماعة الإخوان المسلمين من أراضيهما. غير أنها سعدت بالانقلاب الذي جرى في العراق وباركته باعتباره نوعا تصحيحا ديمقراطيا لنتائج الانتخابات التي سعى من خلالها الشعب العراقي إلى أن ينصر الفساد الأقل على الفساد الأكثر وأن يخفف من الضغط الإيراني الذي صار أشبه بالمرض الذي يعاني منه الكثيرون.
ولو عرفنا أن عراقيي إيران هم أكثر إخلاصا لها من إيرانييها لأدركنا حجم الخطر الذي يواجهه العراق اليوم وقد صار في قبضة عصابة لا تفكر إلا في الإجتثاث. اجتثاث خصومها والمختلفين معها في شأن حجم التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للعراق.
لقد ضجت منصات الإعلام الحكومي والحزبي والميليشياوي في العراق بفضيحة سرقة القرن التي جرت فصولها في عهد مصطفى الكاظمي. فإذا بالأموال المسروقة لا تتجاوز المليارين والنصف من الدولارات. وهو مبلغ أقل ما يُقال عنه أنه لا أهمية له مقابل ترليون ونصف دولار هي حجم عائدات النفط العراقي في سنوات حكم حزب الدعوة والتي تم انفاقها من غير أن تُبنى مدرسة واحدة أو مستشفى واحد أو يعبد طريق أو يتم التحكم بمشكلتي الفقر والبطالة أو يُعاد أعمار مبنى واحد من المباني التي دمرتها الحروب أو تُنهى مشكلتي الكهرباء والماء التي أنفقت عليهما المليارات التي تبين أنها قد سُرقت من غير أن يكلف القضاء العراقي نفسه بملاحقة اللصوص المعروفين من خلال الإستعانة بالشرطة الدولية.
ومن أظرف ما جرى في ذلك المجال أن وزيرا سابقا للتجارة كان متهما بالتصرف بثلاثة مليارات دولار ألقت عليه الشرطة الدولية القبض في بيروت وسلمته إلى بغداد، هناك حيث تمت تبرئته وعاد إلى لندن، كونه مواطنا بريطانيا.
العراق بلد عجيب وينبغي أن يبقى كذلك لكي لا ينتفع منه مواطنوه وهم الذين صاروا يفقدون حس الانتماء إليه سنة بعد أخرى وجيلا بعد جيل.
اليوم يمكن القول إن العراق صار في طريقه إلى أن يكون إيرانيا برعاية أممية. دولة الإحتلال تبارك ذلك التحول الذي تتبناه الأمم المتحدة. فما الذي سيفعله العراقيون؟