Skip to main content

واشنطن بين مواجهة إيران والانسحاب من سوريا

إنسحاب قوات أمريكية من سوريا
AvaToday caption
كيف يمكن تسويق مواجهة إيران وإخراجها من سوريا ورفض هيمنة «حزب الله» في لبنان مع تأكيد الانسحاب من سوريا
posted onJanuary 14, 2019
nocomment

سام منسى

من الواضح أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أراد من خطابه الأخير في القاهرة عرض سياسة بلاده في المنطقة بشكل يُطمئن حلفاءها العرب وإسرائيل، خصوصاً بعد اللغط الذي أثاره قرار الرئيس ترمب الانسحاب من سوريا؛ فشدد على الخطر الإيراني، وجدد التزام واشنطن بمكافحة الإرهاب، وفتح النار على سياسة أوباما في الشرق الأوسط، قائلاً في إشارة إلى خطاب هذا الأخير في القاهرة عام 2009: «أخبركم أن الولايات المتحدة والعالم الإسلامي يحتاجان إلى بداية جديدة. و«الآن تأتي البداية الجديدة الحقيقية».

لكنّ البناء على هذا الخطاب يحتاج إلى حذر أمام أسبابٍ بعضها داخلي أميركي وبعضها الآخر يرتبط بمضمون خطاب بومبيو.

أول الأسباب الداخلية هو ما يواجه إدارة الرئيس ترمب في الداخل جراء التعطيل الجزئي للحكومة الفيدرالية وما يعكسه من تجاذب حاد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي من جهة، وبين الرئيس والغالبية الديمقراطية في مجلس النواب من جهة أخرى، مروراً بامتعاض كبار الشيوخ الجمهوريين من سياسة ترمب.

وثاني هذه الأسباب هو انعدام الثقة بالولايات المتحدة من بعض حلفائها الذي ينعكس على القرارات التي تتخذها والتعهدات التي تقطعها.

ويحضرنا في هذا المجال خطاب وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون في جامعة ستانفورد عام 2018، والذي عرض رؤية واضحة لسياسة أميركا تجاه المنطقة، لكنه لم يلبث أن غادر، وأُقيل بعده هربرت ماكماستر رئيس مجلس الأمن القومي، ليلحق بهما وزير الدفاع جيمس ماتيس.

أما ثالث الأسباب فبات الحديث عنه تكراراً، ويتعلق بالتصريحات الغامضة للرئيس ترمب، بحيث بات من الصعب التكهن بتصرفات إدارته، ولا يخفى على أحد ما يمكن لسياسة كهذه من قِبل أكبر دولة وأكبر اقتصاد في العالم أن تثيره من قلق. يضاف إلى ذلك اعتماد كل ما يخالف ثوابت السياسة الأميركية على أكثر من صعيد داخلي وخارجي.

أما بالنسبة إلى مضمون خطاب بومبيو، فهل نجح في طمأنة حلفاء الولايات المتحدة؟

إن الأزمة الوجودية التي يعيشها العالم العربي في هذه المرحلة تحتاج إلى أكثر من خطاب لمواجهتها. ومن الظلم اتهام إدارة ترمب وحدها بالمسؤولية، إذ إن هذه السياسة ظهرت مع ذيول اجتياح الولايات المتحدة للعراق عام 2003، حيث بدا أن إدارة العراق بعد الحرب أدت إلى نفوذ إيراني كبير في هذا البلد. وتواصلت الأخطاء مع إدارة أوباما الذي عمل على التقرب من إيران واختصر خطرها بالطموحات النووية دون أن يولي تمددها في المنطقة أي اهتمام، يضاف إلى ذلك تخليه بسرعة عن أكبر حلفائه في المنطقة خلال حراك «الربيع العربي» وهو الرئيس المصري السابق حسني مبارك، من دون دعم الحراك المدني بشكل فعّال وهادف. كما ترك أوباما العراق في حضن إيران، ما فتح الباب واسعاً أمام ظهور تنظيم داعش ومثيلاته. واستمر الأمر مع ترمب الذي تساهل على غرار سلفه في سياسة «الخطوط الحمر في سوريا»، مقتصراً على مواجهة الهجمات الكيميائية للنظام السوري بضربة يتيمة. ناهيك بالتغاضي غير المفهوم عن «عملقة» حزب الله والتخلي مرة أخرى عن لبنان.

هذا المسار من الخطوات الناقصة لن يصححه خطابٌ مهما كان مضمونه صلباً، بل هو بحاجة إلى كفاءة دبلوماسية ودهاء جيوسياسي افتقرت إليهما السياسة الأميركية في المنطقة خلال العقد الأخير، فضلاً عن تواصل المشاركة العسكرية والرغبة في تولي القيادة عبر وضع أطر لسياسة من شأنها أن تساند الحلفاء من جهة وتثنيهم من جهة أخرى عن تفردهم في اتخاذ خطوات مزعزعة للاستقرار.

أما بالنسبة إلى إسرائيل أقرب حلفاء واشنطن، فمن الواضح أنها غير مرتاحة لقرار ترمب الأخير الانسحاب من سوريا، وهي تنظر إلى تداعياته من خلال تهديد أنشطة إيران النووية لأمن إسرائيل القومي وسعي طهران لتحويل سوريا إلى جبهة فاعلة ضدها تضيفها إلى جبهة لبنان. لهذا تَعتبر إسرائيل أن الوجود الأميركي، على الرغم من رمزيته، هو إضافة فاعلة لقوة الردع الإسرائيلية بوجه التمدد الإيراني والروسي، ومن شأنه الحد من مخاطر اندلاع نزاع واسع مع إيران قد يتطور إلى اشتباك أكثر خطورة مع موسكو.

باتت تل أبيب شبه مقتنعة بأن واشنطن تضغط اقتصادياً وسياسياً لمواجهة إيران، بينما تترك المواجهة العسكرية للأطراف في المنطقة، وهذه النقطة كانت في غاية الوضوح في خطاب بومبيو مع تشديده على أن بلاده تتوقع من حلفائها الإقليميين «تحمُّل مسؤوليات جديدة».

كيف يمكن تسويق مواجهة إيران وإخراجها من سوريا ورفض هيمنة «حزب الله» في لبنان مع تأكيد الانسحاب من سوريا بل الإصرار على عدم اتخاذ خطوات جدية للحد من نفوذ وتمدد إيران فيها، وهي هدف رئيس لإيران وشريان حيوي لدورها في لبنان؟

كيف يمكن اعتبار أن الحرب في سوريا انتهت مع القضاء على «داعش»، في مقولةٍ تعيدنا إلى المقاربة الخاطئة التي اعتمدها الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة في التعامل مع المنظمات الجهادية، ومنها تنظيم «القاعدة»، كما لو أنها كيانات ببيانات شخصية معروفة وأماكن إقامة محددة من السهل القضاء عليها إذا قضينا على عناصرها وعلى مقراتها؟

كيف يمكن مواجهة إيران بينما الوزير بومبيو يعتبر أن الهدف في سوريا يقتصر على القضاء على «داعش» ولم يتطرق إلى دور نظام آل الأسد في وصول إيران إلى ما وصلت إليه كما في ما آلت إليه الأوضاع في سوريا؟

وبالنسبة إلى تركيا، لم يبدد الخطاب القلق من الانسحاب، وأعرب وزير خارجيتها عن ذلك حين قال إن حكومته تخشى أن يستفيد الأكراد من الفراغ الذي ستخلفه القوات الأميركية، مؤكداً في الوقت عينه أن الهجوم على القوات الكردية في سوريا غير مرتبط بالانسحاب الأميركي.

مضمون خطاب بومبيو جاء على شاكلة مواقف الإدارة الأميركية الملتبسة. ربما كان على بومبيو أن يؤكد أن أميركا لن تخرج استراتيجياً من الشرق الأوسط، وأنها ستظل منخرطة ولو في أدوات غير عسكرية إنما مبتكرة ومستدامة تمنع بروز مكونات لحرب جديدة في الإقليم. وكان عليه ثانياً التوجه إلى الشباب، إذ كانت لديه فرصة في القاهرة للتأكيد بشكل أوضح أن أميركا لن تتردد في التصدي للاستبداد بكل أشكاله في الإقليم.