"فوضى".. هي المفردة التي استخدمها نائب مستقل، في وصف أجواء الحوارات والمقترحات بين النواب المستقلين، الذين يحاولون إعداد رد على مبادرة طرحها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
ويتنازل الصدر بموجب مبادرته عن منصب رئاسة الوزراء والحصة الصدرية في الكابينة الوزارية لصالح المستقلين، مقابل انضمام 40 نائبًا مستقلاً إلى التحالف الثلاثي الذي يضم إلى جانب الصدر، مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ومحمد الحلبوسي رئيس حزب "تقدم"، الذين يشكلون نحو 180 نائبًا من أصل 329، وهو ما يجعلهم بحاجة إلى نحو 40 نائبًا لإكمال نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية البالغ 220 نائبًا.
وقرر الصدر، في الرابع من أيار/ مايو، دعوة المستقلين لتشكيل كتلة ساندة، والانضمام لتحالفه الثلاثي، بعد أن وصلت المفاوضات مع "الإطار التنسيقي الشيعي" -الممثل الأبرز للفصائل المسلحة الموالية لإيران- إلى طريق مسدود.
في التاسع من أيار/ مايو، عقد النواب المستقلون، أول وأكبر اجتماعاتهم، لإصدار موقف موحّد من مبادرة الصدر، لكن الاجتماع لم يُسفر عن شيء.
شخصيات حضرت الاجتماع، وأخرى اطلعت على فحواه، تحدثوا عن أجواء "سوق عكاظ" في الجلسة التي ضمت أكثر من 35 نائبًا "مستقلاً"، حيث تحدث كل طرف بما يحلو له، دون أن يتوصل المجتمعون إلى تحديد ملامح فكرة مشتركة للرد على مبادرة الصدر.
وكما كان متوقعًا، اندلع جدل اصطلاحي حول تعريف "النواب المستقلين"، حيث يرى نوابٌ، أن الحركات والأحزاب، ليست مشمولة بعبارة "مستقلين" بينما يقول رئيس حركة امتداد علاء الركابي إن المقصود بالمستقلين هم "جميع النواب غير المنتمين أو الخاضعين للأحزاب التقليدية، ولذا فنحن كحركات غير مستقلة، محسوبون أيضًا على المستقلين، لأننا منبثقون من الشارع، وليس لنا صلة بالأحزاب الحاكمة".
وحتى الآن، يمكن تأكيد اتفاق المستقلين على فكرة يتيمة، تتمثل في أنّ الرد على مبادرة الصدر، سيكون عبر مبادرة أخرى يطرحها المستقلون، يقول الركابي إنّ ملامحها قد تظهر خلال يومين، لكنه يتساءل في الوقت ذاته "لماذا تنتظر الأحزاب التقليدية من المستقلين حلّ المعضلة خلال أقل من 15 يومًا، بينما عجزت تلك القوى عن إيجاد مخرج رغم استغراقها أكثر من 100 يوم".
وتواجه الأحزاب الجديدة، والمستقلون، اتهامات بالتخبط والاستعجال في إطلاق التصريحات والمواقف المُرتبكة.
وطالب علاء الركابي في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، بتشكيل حكومة إنقاذ وطني، لكنه سرعان ما تدارك تصريحه، وقال إنه يقصد بذلك تقديم "مرشح تسوية" بين الطرفين المتخاصمين، وهي الدعوة التي لاقت أيضًا استغرابًا، بعد أن جرّب العراق بالفعل مرشحي التسوية منذ العام 2018 على الأقل، على يد رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، ثم مصطفى الكاظمي، وقبلهما حيدر العبادي.
كما تحدّث الركابي عن دعمه لتعديل الدستور وتحويل النظام في البلاد إلى انتخاب الرئيس بشكل مباشر من الناخبين، وهي قضية إشكالية أخرى أثارها الركابي.
وقفز تحالف "من أجل الشعب"، الذي يضم حركتي امتداد برئاسة الركابي، والجيل الجديد برئاسة شاسوار عبد الواحد، إلى وضع شروط لدعم مرشح رئيس الوزراء المقبل، فيما لا يُتوقّع أن تكون مقاعد التحالف الـ 18، مؤثرة في ملف التصويت على رئيس الوزراء، فالمشهد السياسي يعلق في مأزق آخر، وهو إكمال نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.
وبمجرد انتخاب الرئيس، سيتمكن التحالف الثلاثي، من تمرير أي رئيس حكومة يكلفه رئيس الجمهورية، مستفيدًا من تفوقه العددي، ولذا تبدو شروط تحالف "من أجل الشعب" في مواصفات رئيس الوزراء، بلا قيمة عملية.
ولاقت الشروط التي وضعها التحالف انتقادات من أوساط مساندة، حيث اشترط التحالف أن يكون رئيس الوزراء غير مزدوج الجنسية، وبرر الركابي ذلك، بأنّ مزدوجي الجنسية بإمكانهم الإفلات من قضايا الفساد عبر التحصن بسفارات بلادهم، فيما غفل عن أنّ معظم زعماء الجماعات المسلحة المتهمين بالفساد والانتهاكات الدموية، لا يحملون سوى الجنسية العراقية، كما أنّ العراق تمكن بالفعل من استعادة متهمين بالفساد يحملون جنسيات أجنبية بالتعاون مع "الإنتربول"، ولذا بدا المطلب مُستنسخًا من حملات شعبوية يشنها سياسيون منذ سنوات في إطار التراشق المعتاد.
وتذهب قراءة أخرى إلى أنّ التحالف، إنما وضع هذا الشرط، في محاولة لقطع الطريق على المرشح المستقل باسم خشان، الذي يسعى للترشح لمنصب رئاسة الوزراء.
يُمكن فرز مواقف تجمعات المستقلين، الذين يتجاوز عددهم 40 نائبًا على النحو التالي:
تحالف من أجل الشعب| عدد نوابه المعلن 18 نائبًا، يضم حركتي "امتداد" برئاسة علاء الركابي، و"الجيل الجديد" برئاسة شاسوار عبدالواحد، وقد أعلن المشاركة في إكمال نصاب جلسة انتخاب الرئيس، دون المشاركة في الحكومة، لكنه يعكف على إعداد مبادرة مشتركة مع المستقلين تحوي شروطه.
الكتلة الشعبية| 3 نواب: سجاد سالم، محمد عنوز، أسامة كريم. ومن المتوقع أن يشارك في إكمال النصاب.
تحالف العراق المستقل| بدأ بنحو 15 نائبًا، لكنه تعرض لانشقاقات، وما يزال عدد نوابه الحالي غير واضح، لكنه يتراوح بين 5 إلى 8 نواب، ويقوده النائب حسين عرب، وكان من أوائل المرحبين بمبادرة الصدر. ويقول مقربون من التحالف، إنّه يسعى لتقديم مرشح لرئاسة الوزراء، أو الحصول على حصة وزارية مقابل المشاركة في إكمال نصاب جلسة انتخاب الرئيس.
تكتل الإشراقة| عدد نوابه المُعلن عند التأسيس 10، ويضم كتلتي "إشراقة كانون" بـ 6 مقاعد، و"صوت المستقلين" بـ 4 مقاعد. تشير المعلومات حتى الآن، إلى أنّ النواب الستة لن يشاركوا في جلسة انتخاب الرئيس، بينما قد يشارك الأربعة الآخرون على الأرجح.
في 26 آذار/مارس، الماضي، وقع حسن العذاري رئيس الكتلة الصدرية، وشعلان الكريّم عن تحالف السيادة، على التعهد بتنفيذ 17 فقرة اشترطها تحالف "من أجل الشعب" للمشاركة في إكمال نصاب جلسة انتخاب الرئيس، وكان من بين الشروط، محاسبة قتلة المتظاهرين في احتجاجات تشرين.
ولم تحمل الوثائق المنشورة، توقيع ممثل عن الركن الثالث في التحالف الثلاثي، الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وهو ما يمكن تفسيره على الأرجح بسوء العلاقة بين "الجيل الجديد" وبارزاني.
مفاوضٌ في تحالف "من أجل الشعب" أبلغ موقع "الترا عراق" المحلية، أنّ رد المستقلين، سيحوي طلبًا برفع مستوى الضمانات بين الطرفين، وذلك عبر طلب توقيع الصدر شخصيًا على وثيقة الـ 17 مطلبًا.
ويقول المفاوض، إنّ "تاريخ العملية السياسية مليء بالوثائق الموقعة التي لم تجد طريقها للتنفيذ"، وأنّ "اتجاهًا داخل المستقلين، يستشعر عدم جدية الثلاثي في تبنّي المطالب التي وقع عليها رئيس الكتلة الصدرية، ولذا فإننا نسعى إلى دفع التفاهم إلى مرحلة أكثر موثوقية، عبر مطالبة الصدر بالتوقيع شخصيًا".
طلب تعليق مسؤول صدري مواكب لأجواء المفاوضات، وأجاب الأخير بأنّ "الأنباء التي تترشح من داخل اجتماعات المستقلين، لا تشير إلى اتفاق يُمكن البناء عليه لإبرام تفاهم واضح، فالأخوة المستقلون ما زالوا في مرحلة التباحث، ولم يصلنا حتى الآن خطاب رسمي للتعليق على مبادرة الصدر، أما ما يترشح من داخل اجتماعاتهم، فهو أنّهم على آراء متعددة، بين مَن ينوي تقديم مرشح مستقل لرئاسة الوزراء، وبين قوى أخرى رفضت الفكرة".
وفي شأن إمكانية توقيع الصدر شخصيًا على المطالب الـ 17، يضيف المسؤول الصدري: "لقد تعهدت الكتلة الصدرية عبر رئيسها، وهذا ليس مستوى تمثيليًا منخفضًا، أما طلب توقيع الصدر شخصيًا، فقد يدخل في الحوار والتفاوض أيضًا، لكن الحديث عن هذا المطلب يبدو أشبه بالهروب إلى الأمام، فالأخوة المستقلون لم يتمكنوا حتى الآن من إعلان المستقلين الأربعين الذين نصت عليهم مبادرة الصدر، والتيار الصدري لم يتلقّ حتى الآن أي ورقة تُظهر أسماء وتواقيع 40 نائبًا، ليتسنى النظر في طلباتهم واشتراطاتهم".
ووفق تقديرات المستقاة من سلسلة حوارات مع أعضاء الحركات الجديدة والنواب المستقلين، إضافة إلى آخر عدد تمكن التحالف الثلاثي من جمعه، وهو 178 نائبًا، فإنّ عدد المستقلين الذين يُظهرون حتى الآن قبولاً مبدئيًا ومشروطًا للمشاركة في إكمال نصاب جلسة انتخاب الرئيس، لا يتجاوزون 30 نائبًا، وهو ما يعني أنّ "الثلاثي" وبعد موافقته على شروط النواب الثلاثين، سيحتاج إلى نحو 12 نائبًا للمضي بمشروعه، إذا ما أصر على الاستمرار دون التفاهم مع الاتحاد الوطني الكوردستاني، وبقية قوى الإطار التنسيقي الشيعي.