Skip to main content

الوهم الإيراني في لعبة خطيرة

خامنئي مع أتباعه العسكريين
AvaToday caption
لماذا لم تقرِّر إيران حتى الآن أن تصبح مواطنًا عالَميًّا؟ فالحرب مع العراق أكَّدت لنا جيدًا أنه لا يمكن أن نكون البطل الوحيد
posted onJanuary 7, 2019
nocomment

مهدي نوربخش

يعاني قادة النِّظام الإيرانيّ السياسيون أربعة أوهام، ويمكن أن نقول إن قرارهم بإغلاق مضيق هرمز، كسياسة عامَّة للنظام، متأثر بهذه الأوهام، ويبدو، على الأقل في الظاهر، أن حكومة روحاني والنِّظام الإيرانيّ ليسوا قلقين من تبعات الإعلان عن مثل هذا القرار، الذي من شأنه تعريض أمن بلدنا ومصالحه الوطنية لتهديد خطير.

الوهم الأول: هو وهم لُقِّنَ لهذا النِّظام حول إيران العسكرية، فقد زعم العسكريون ولسنوات أن قوة إيران العسكرية في الشرق الأوسط بلغت مستوى نستطيع من خلاله تحدي الجميع، والوقوف في وجه الآخرين، حتى أمريكا، وأعلن العسكريون مرة أخرى أنهم ينتظرون أوامر المرشد من أجل محو إسرائيل من خريطة الشرق الأوسط، كما يجري الحديث حول استخدام الصواريخ المصنعة في إيران كتقنية متطورة ورادعة وكقوة دفاع إيرانيَّة، ومؤخرا استُنسِخَت المقاتلة الأمريكيَّة F5 وأطلقوا عليها اسم المقاتلة «كوثر»، معتبرين أنها من إنجازات القوات الجوية الإيرانيَّة.

الوهم الثاني: هو أن القادة السياسيين في إيران يظنون أن النِّظام السياسي في إيران يتمتع بشرعية نسبية بين المواطنين، فيما لم يعُد النِّظام هناك يتمتع بالشرعية التي كان يتمتع بها بين أغلبية المواطنين الإيرانيّين في السابق، فالنِّظام كان يتمتع بشرعية أكبر في عهد الخميني في أوائل الثورة، غير أن هذه الشرعية انحسرت بشدة بسبب الفساد المستشري في البلاد، وسوء الإدارة الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية للمجتمع، فضلًا عن تزوير انتخابات عام 2009 الرئاسية، وغياب العدالة داخل السُّلْطة القضائيَّة، واعتماد هرم السُّلْطة على شخص واحد، والاستبداد الجامح، وتمييز طبقة رجال الدين من بقية الشعب، والفقر والحرمان، وهروب العقول.

الوهم الثالث: أن النِّظام يعتقد أن شعبنا يلوم ويُدِين الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب والولايات المتَّحدة فقط لفرضهم العقوبات، فعلى الرغم من أن ترامب ارتكب خطأ في الخروج من الاتفاق النووي، فإن الإيرانيّين لا ينسون أن المقربين من رأس هرم السُّلْطة في إيران لم يسمحوا للاتفاق بأن يصبح رسميًّا بعد المصادقة عليه، فقد كتبوا شعار «الموت لإسرائيل» على الصواريخ التي اختبروها، كما صرَّح الجنرال سلامي مؤخَّرًا بأن «الاتفاق النووي أكَّد أن الأعداء تقدموا عندما تفاوضنا… فالمفاوضات بمثابة حرب، وكلما تراجعت قليلًا رفعوا سقف مطالبهم»، أما المرشد فلم يسمح باستغلال فرصتين تاريخيتين لحل مشكلات إيران والتفاوض مع الولايات المتَّحدة:

الوهم الرابع: يتوهم النِّظام والحكومة أن إيران تستطيع وحدها أن تستفيد على المستوى الدولي من الأساليب التي استخدمتها في السياسة الخارجية، وكذلك السياسات التي اتخذتها حتى الآن، وأن تستنجد بالدعم الدولي عندما تحتاج إليه، وأن تصرف النظر عنه عندما تشعر بأنه لا حاجة بها إليه، فالنِّظام الإيرانيّ لا يهتمّ أبدًا بحساب ما يدفعه من ثمن على المستوى الدولي بسبب السياسات التي ينتهجها وينفّذها.

السؤال المثير للتساؤل والتأمل هو: لماذا لم تقرِّر إيران حتى الآن أن تصبح مواطنًا عالَميًّا؟ فالحرب مع العراق أكَّدت لنا جيدًا أنه لا يمكن أن نكون البطل الوحيد في الساحة، فالسفارة الأمريكيَّة في طهران اقتُحمت من قبل، ولم تجلب لنا سوى الاستنكار العالَمي، في حين كنا نظنّ أن ما سمَّيناها بالثورة الثانية سيعود على إيران بالقدرة والامتيازات، لكن ما تلاها كان الحرب والدمار، ودخلنا إلى سوريا ظانِّين أننا نستطيع الحفاظ على الحاكم المستبدّ ضدّ شعبه، وتوسيع دائرة نفوذ إيران في الشرق الأوسط، وتحويل سوريا إلى قاعدة لـ«عمقنا الاستراتيجي» ضدّ إسرائيل، لكن ذلك لم يتم، فبسبب أخطائنا السياسية والاستراتيجية سلَّمنا زمام أمور سوريا إلى بوتين، وقصفت إسرائيل مواقعنا في سوريا مرارًا وتكرارًا دون أن نتمكن من الدفاع عن أنفسنا، والآن تَفتَّتَت سوريا وتقاسمتها روسيا وأمريكا وتركيا.

عندما نهدِّد بلدًا ما سياسيًّا، علينا أن نعلم أننا لسنا اللاعبين الوحيدين على الساحة، كنا نتصور أن الحرب العراقيَّة-الإيرانيَّة قد بينت لنا هذه الحقيقة التاريخية المريرة، لكن مع الأسف لم يحدث ذلك، وأخذنا مرة أخرى نرتكب أخطاء الماضي، وقد قالها خامنئي صريحةً في كلمته بمناسبة السنة الإيرانيَّة الجديدة، لا علاقة لـ«الفضوليين الدوليين» بذهابنا إلى العراق وتدخُّل إيران العسكري في سوريا، فعندما يكون فهم القائد السياسي لإيران للعلاقات والنِّظام الدولي بهذا الشكل، لا ينبغي حينها أن نستغرب وصولنا إلى هذه المرحلة من العلاقات الدولية.

على أثر هذا الموقف الذي أعن عنه روحاني أرسلت الولايات المتَّحدة أحد أساطيلها الحامل للطائرات إلى الشرق الأوسط، وعندما أعلن روحاني عن مثل هذا الموقف في سويسرا، واجه ردودًا عنيفة من الدول الأوروبيَّة، واضطُرّ إلى التراجع عنها على نحو ما، فاتخاذ روحاني مثل هذه المواقف في الظروف الصعبة الراهنة سيضرّ كثيرًا الدعم الدولي لبلادنا أمام تحالف ترامب ونتنياهو.

الوهم القائم على أن إيران تتمكن وحدها أن تفعل ما تريده على الساحة السياسية الدولية دون دفع الثمن سدّد ضربات عديدة لمكانة بلادنا الأخلاقية (Moral Authority)، وقد حكم أصحاب السُّلْطة إيران بالشعارات والآيديولوجيا المعادية للغرب والولايات المتَّحدة، وقد التحق حسن روحاني مؤخَّرًا بقافلتهم كي تلقى مواقفه قبولًا من الذي يتربع على رأس هرم السُّلْطة، فعند تشويه المكانة الأخلاقية لبلد ما، فلن يتمكن هذا البلد من تلقِّي المساندة للدفاع عن نفسه في الظروف الخاصَّة، ومصالح إيران تتعرض للتهديد من جهات مختلفة، غير أن جذور جميع المشكلات تعود إلى رجال السُّلْطة في بلادنا وسياساتهم الرعناء.

لقد أيَّدْنا بوتين للوصول إلى سوريا، والآن لم تخرج سوريا من تحت سيطرتنا إلى تحت سيطرته فقط، وإنما أصبح يتحالف مع السعوديَّة لإضعاف أوبك وتسديد ضربات هائلة إلى اقتصاد إيران. إنّ السياسة المزعومة التي ينتهجها روحاني من أجل إغلاق مضيق هرمز، لعبة خطيرة أنتجها الوهم الكامن في عقول رجال السياسة في إيران فقط، وستؤدي إلى إجماع دولي ضدّ بلادنا، وستفتح المجال أمام الولايات المتَّحدة كي تتحدى أمننا ومصالحنا، والنتيجة لن تكون سوى عدم استقرار دائمًا في إيران، وتهديدًا لمصالحها الوطنية التي تهدف إلى بناء اقتصاد نشط.

ملخص ما منشور في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية