تقترب أحداث هجوم الصناعة في حي غويران بمحافظة الحسكة في منطقة روجافا "من النهاية"، بحسب تصريحات لمسؤولين في "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، بينهم المتحدث الرسمي، فرهاد شامي، والذي يشير إلى "عمليات استسلام كبيرة لمقاتلي داعش".
وقال شامي قناة الحرة الأميركية إن "عناصر داعش يتحصنون في الوقت الحالي في عدة مهاجع في السور الشمالي لسجن الصناعة"، نافيا صحة المعلومات التي ترددت بشأن وجود "عمليات تفاوض" لإخراجهم.
ونشرت "قسد"، صباح الثلاثاء، بيانا قالت فيه إنها "نجحت بعمليات عسكرية وأمنية دقيقة في تحرير تسعة أسرى من قبضة إرهابيي داعش، حيث تم نقل هؤلاء إلى أماكن آمنة".
وأضاف البيان "تواصل قواتنا عملياتها الأمنية والعسكرية بكل دقّة في سجن الصناعة ومحيطها وريف دير الشرقي وكذلك إقليم الرقة".
من جهته ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، نقلا عن مصادر محلية لم يسمها، أن "العشرات من السجناء سلموا أنفسهم للقوات العسكرية، ليرتفع إلى نحو 600 تعداد المساجين الذين جرى إخراجهم من السجن".
وتحدث "المرصد" عن "هدوء حذر" يسود سجن غويران ومحيطه ضمن مدينة الحسكة، بالتزامن مع تحليق مستمر لطيران التحالف في الأجواء، مشيرا إلى "مفاوضات تجري للإفراج عن رهائن وأسرى من قسد، مقابل معالجة الجرحى من عناصر داعش داخل سجن غويران".
وقبل خمسة أيام اهتزت مدينة الحسكة، وبالأخص حي غويران الواقع فيها، على وقع هجوم نفذته "خلايا نائمة" تتبع لتنظيم داعش، واستهدف سجن الصناعة الذي يضم الآلاف من سجناء الأخير، الذين اعتقلوا على فترات متفاوتة في أثناء العمليات العسكرية التي شهدتها مناطق شمال وشرق سوريا (روجافا)، قبل 3 سنوات.
وبالتزامن مع الهجوم، نفذ سجناء داعش "تمردا داخليا"، في خطوة أثارت العديد من التساؤلات، وخاصة المتعلقة بكيف نسق المهاجمون في الخارج مع نظرائهم في الداخل؟ وكيف نجح القسم الأول في اختراق محيط سجن الصناعة، الذي يعتبر من أبرز المناطق المحصنة أمنيا؟ فضلا عن سؤال: ما هي نوعية الأسلحة وحجم الذخائر التي يمتلكها عناصر داعش، التي سهلت لهم البقاء في الاشتباك لخمسة أيام متواصلة؟
ولم تجب "قسد" حتى اللحظة عن التساؤلات، بينما قالت في سلسلة بيانات لها إن المهاجمين قدموا قبل ستة أشهر من مناطق سورية محاذية لنفوذ سيطرتها مثل رأس العين (سريكاني) (الخاضعة للإدارة التركية)، بالإضافة إلى قدومهم من داخل الأراضي العراقية.
وفي الوقت الذي رجح فيه محللون فرضية وجود "اختراق أمني" داخل صفوف "قسد"، يشير الناطق باسم الأخيرة إلى أن "هذه القضية ستكون موضوع أساسي لتحقيق لاحق".
وقبل أقل من شهر كان المكتب الإعلامي لـ"قسد" قد نشر معلومات بناء على اعترافات لمعتقل من داعش وصف بالقيادي، حيث كشف خلالها أن مقاتليه يعدون لاقتحام سجن الصناعة في الحسكة، وهو الأمر الذي حصل بالفعل قبل أيام.
وأسفر الهجوم عن مقتل العشرات من العناصر، سواء أولئك الذين يتبعون لداعش أو آخرين من صفوف "قسد" وقوى الأمن التابعة لها "أسايش".
بينما اضطر ما يصل إلى 45 ألف شخص للنزوح من منازلهم إلى أحياء أخرى" من مدينة الحسكة، منذ بدء هجوم التنظيم، مساء الخميس، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
والقسم الأكبر من هؤلاء توجه إلى أقرباء ومعارف لهم في محافظة الحسكة، بحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، بينما قلة قليلة منهم توجهوا نحو المخيمات.
ويعتبر الصحفي السوري، باز بكاري، الهجوم الأخير على أنه "الإنذار الأكبر فيما يخص ملف معتقلي داعش ودرجة خطورتهم، خاصة أن سجن الصناعة يحتوي نسبة من معتقلي التنظيم وليس كلهم".
ويقول بكاري "العدد الكبير من عناصر داعش في مراكز الاحتجاز ينذر بإمكانية أن نكون أمام كارثة، في حال حصل هؤلاء على الفرصة للهروب والتسلح، وسيكون بمثابة قيامة جديدة للتنظيم".
ويتوقع الصحفي السوري "أن يكون هناك مراجعة ضمن صفوف قسد لمعرفة نقاط الخلل، وتداركها. الآن خرجت قسد من طور الصدمة، وبدأت بالتعامل مع الهجوم".
أما بالنسبة للتوقيت، يرى بكاري أن "التنظيم كان هدفه أبعد من ذلك، وحاول قبل الآن تنفيذ هجمات في إقليم كوردستان العراق أيضا. الهجوم جزء من مخطط أوسع. التنظيم يحاول العودة لسابق عهده، لكنه فشل في ذلك".
وتتلقى "قسد"، منذ سنوات طويلة، دعما عسكريا ولوجستيا من قوات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وكانت الأخيرة قد شاركت ويعتبر ملف "سجناء داعش" في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكوردية من أبرز الملفات وأكثرها تعقيدا، خاصة أنه لم يحل بشكل فعلي، مع امتناع عدد من الدول الأوروبية عن استعادة العناصر الذين يحملون جنسياتها.
بالفعل في رد هجمات سجن الصناعة، بحسب ما أعلنت "البنتاغون".
وفي الوقت الحالي، وأمام التطورات الحاصلة في حي غويران، لا يتوقع الصحفي السوري باز بكاري الكثير، "من ناحية حل معضلة ملف السجناء، وذلك بالنظر لمواقف الدول التي لديها مواطنين في المعتقلات من مسلحي التنظيم".
ومع ذلك يضيف: "أتوقع أن تكون هناك زيادة دعم لقوات سوريا الديمقراطية، وتشديد أمني على مراكز الاحتجاز، وشن هجمات وحملات على خلايا داعش. لن يخرج الأمر من هذا الإطار".
بدوره يرى الباحث السوري المختص بالشؤون الكوردية، بدر ملا رشيد، أن التطورات الحالية في سجن الصناعة وحي غويران "ستعيد تشكيل بعض أوجه التعامل مع ملف معتقلي تنظيم الدولة، المعتقلين لدى قسد".
ويمكن تقسيم أوجه التعامل إلى مسارين، بحسب ملا رشيد..
ويوضح "المسار الأول محلي، حيث سيحدث تصاعد لدى مواقف الأهالي من ضرورة حل معضلة تواجد الآلاف من هؤلاء المقاتلين في سجون مكتظة، وشروط أمنية غير مُحكمة، وهو ما يعني استمرارية احتمال الخطر على الدوام".
أما المسار الإقليمي والدولي يتابع الباحث: "لا يبدو أن هناك تفاعلا كبيرا، سواء مع الحدث الحالي أو ملف عناصر داعش بشكلٍ عام. هو أمر يدعو للقلق من ناحية مجتمعية ووطنية".
وبحسب التقديرات، هناك ما يقرب من 70 ألفا من أتباع وعائلات داعش محتجزون لدى "قوات سوريا الديمقراطية" في السجون والمخيمات الموجودة في روجافا، بينهم 2000 مقاتل من خارج سوريا والعراق و27500 طفل أجنبي.
وخلال الأعوام الثلاثة الماضية لم تعمل الدول الأصل لتلك العناصر بشكلٍ جدي على استعادة مواطنيهم، وعلى العكس فإن الكثير من الدول الأوربية بالأخص قامت بإسقاط جنسية مواطنيهم المنتمين لداعش، وهو يعني إبقائهم داخل سوريا.
ويتابع ملا رشيد: "في المقابل لم تعمل هذه الدول على تقديم المشاريع والخطط لكيفية إدارة هذا الكم الهائل من المعتقلين الخطرين جدا"، متحدثا عن "وجود ترهل واستهتار من قبل الدول المعنية بمصير هؤلاء، حيث اقتصر الأمر على تدخل الولايات المتحدة بحكم تواجدها في المكان، وبعض البيانات التي يمكن وصفها بالخجولة. هو تفاعل لا يبشر بالخير على الأقل على المدى المتوسط".
وخسر تنظيم داعش، الذي أعلن خلافة في أجزاء من سوريا والعراق عام 2014، جميع الأراضي التي كانت تحت سيطرته عام 2019، ومع ذلك، تواصل الجماعة الإرهابية شن تمرد منخفض المستوى في العراق وسوريا على حد سواء.
وكان اللافت، خلال الأيام الخمسة الماضية، أن التمرد "منخفض المستوى" تحوّر إلى درجات أكبر.
وبالتزامن مع هجوم سجن الصناعة، أعلنت الحسابات الدعائية لداعش عن سلسلة من العمليات في كل من محافظتي دير الزور والرقة، وهاتين تقع أجزاء كبرى منهما ضمن نفوذ القوات الكوردية.
وفي السنوات الماضية، وعقب انحسار نفوذ داعش كان هناك "تخوفات من هكذا هجمات، سواء على مخيم الهول أو سجن الصناعة".
لكن في ذلك الوقت، بحسب الباحث بدر ملا رشيد "بدا أن التنظيم لم يكن بالقوة التي تجعله يقدم على الهجوم، أو القوة التي تجعله يؤمن مصير عناصره بعد الهجوم في حال نجاحه بالسيطرة، سواء على أجزاء واسعة من مدينة الحسكة أو التوجه نحو البادية".
ويضيف الباحث: "من الواضح أن الوقت كان ملائما للتنظيم وفق ارتفاع سوية قوته، فعقب الهجوم على السجن، بدأ التنظيم بحملة كبيرة على النقاط المتواجدة بين مدينة الحسكة وريف دير الزور. هي محاولة لقطع مدينة الحسكة عن الجنوب قدر الإمكان بحيث يكون هناك ممر آمن لعناصره في حال انسحابهم".