حدد تقرير سري لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المصدر الرئيس للأسلحة التي تهربها إيران لميليشيات الحوثيين في اليمن وغيرهم في المنطقة. وذكر التقرير الذي حصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منه أن مصدر آلاف منصات إطلاق الصواريخ والأسلحة الآلية وغيرها التي ضبطها الأسطول الأميركي في بحر العرب في الأشهر الأخيرة هو ميناء تابع للأسطول الإيراني في جنوب شرقي إيران. ويعد التقرير أكثر وثيقة تفصيلية حول تهريب إيران الأسلحة للحوثيين في اليمن ولميليشيات تابعة لإيران في مناطق أخرى.
أعد التقرير فريق الخبراء حول اليمن، التابع لمجلس الأمن استناداً إلى شهادات بحّارة السفن التي ضبطت تهرب السلاح إلى اليمن وبيانات أجهزة الملاحة على تلك القوارب. وتؤكد تلك البيانات والمعلومات أن كل شحنات السلاح، وأغلبها صناعة روسية أو صينية، بدأت من ميناء جاسك الإيراني على بحر عمان. واستند التقرير الأخير إلى تفاصيل شحنة أسلحة اعترضها الأسطول الأميركي في بحر العرب العام الماضي، وشحنة اعترضتها السعودية في عام 2020.
وعلى الرغم من أن إيران تدعم ميليشيات الحوثي بشكل صريح، فإنها تنفي دوماً أنها تمدها بالسلاح الإيراني، على الرغم من الأدلة التي ثبت من بقايا الصواريخ وغيرها من الأسلحة التي تستهدف بها ميليشيات الحوثي السعودية أنها من إيران. وبحسب "وول ستريت جورنال" رفض متحدث باسم البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة التعليق على التقرير.
يقع ميناء جاسك في بلدة ساحلية صغيرة، وكان في السابق مرفأ تصدير للفواكه والخضراوات إلى سلطنة عمان، لكن أهميته الاستراتيجية بدأت في التصاعد، وفي عام 2008 بنى الأسطول الإيراني قاعدة بحرية فيه، كما افتتحت إيران مرفأ تصدير نفط في جاسك العام الماضي. وكان المسؤولون الأميركيون سبق وذكروا أن ميناء جاسك يستخدم كقاعدة انطلاق للحرس الثوري الإيراني، لكن تقرير الأمم المتحدة الذي كشفت عنه "وول ستريت جورنال" هو أول تأكيد دولي مفصل عن تهريب إيران الأسلحة لميليشيات الحوثي وغيرها.
وتتضمن تفاصيل تقرير مجلس الأمن أن إيران تستخدم قوارب وسفناً خشبية لنقل تلك الأسلحة، ففي مايو (أيار) 2021 اعترضت قوات البحرية الأميركية مركباً خشبياً (داو) في بحر العرب قبالة باكستان بعد مغادرته ميناء جاسك. وصادرت القوات الأميركية من على المركب 2446 بندقية و292 بندقية آلية وبنادق قنص كلها صناعة صينية عام 2017، بالإضافة إلى 164 و194 منصة إطلاق صواريخ مطابقة لما تصنعه إيران. كما كان على متن المركب عوينات تلسكوبية صناعة بيلاروسية. وبحسب التقرير فإن بيلاروس أبلغت الأمم المتحدة أن تلك المعدات سلمت للقوات المسلحة الإيرانية بين عامي 2016 و2018. أما بقية الأسلحة على المركب فكانت صناعة روسية أو بلغارية.
في فبراير (شباط) 2021 اعترضت البحرية الأميركية قارباً خشبياً يقوده بحارة يمنيون، وهو يفرغ حمولته من السلاح في قارب آخر قرب سواحل الصومال. وكان على متن القارب 3752 بندقية تبدو إيرانية من مواصفاتها المطابقة لما تصنعه إيران، بالإضافة إلى مئات الأسلحة الأخرى التي تشمل رشاشات ومنصات إطلاق صواريخ. وفي الشهر الماضي صادرت البحرية الأميريكية 8700 قطعة سلاح، من بينها 1400 رشاش من طراز "أي كيه 47"، وأكثر من 226 ألف قطعة ذخيرة من على متن قارب صيد قادم من إيران، ويقوده 5 بحّارة يمنيين.
ويقول تقرير مجلس الأمن، "إن أنواع الأسلحة المضبوطة تسير إلى خط إمداد واضح، والأرجح أن مصدرها مخازن تابعة لحكومة تشغل سفناً خشبية في بحر العرب تنقل الأسلحة إلى اليمن والصومال". وأضاف التقرير أن معدات الرؤية الحرارية التي ضبطت في البحر بين عمان واليمن في يونيو (حزيران) الماضي هي من إنتاج شركة إيرانية – صينية مشتركة.
وتحاول الولايات المتحدة وقف تهريب الأسلحة إلى اليمن، والذي يعد انتهاكاً لحظر تصدير السلاح إليه، بحسب قرارات الأمم المتحدة عام 2015. وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال"، إن التقرير الأخير لفريق خبراء مجلس الأمن سيُضفي بظلاله على مفاوضات فيينا بين إيران والقوى الكبرى لإعادة إحياء الاتفاق النووي. ومع مطالبة دول الخليج وإسرائيل بضرورة أن يتضمن أي اتفاق حظر الدعم العسكري الإيراني للميليشيات التابعة لها في المنطقة، يتوقع ألا يعود الأميركيون للاتفاق النووي إلا بحل هذه المشكلة.
ووفق معلومات سرية تلقاها الفريق من دول أعضاء عدة، فإن الطائرات المسيّرة المستخدمة في الهجوم على "ميرسر ستريت" تُعدّ نوعاً متقدماً من طراز "دلتا وينغ"، النوع ذاته من مجموعة من الطائرات المسيّرة التي قالت السعودية إنها استهدفت منشأتين تابعتين لشركة "أرامكو" في سبتمبر 2019، مشيرةً إلى تورط إيراني.
وكانت إسرائيل وأميركا والاتحاد الأوروبي، اتهمت طهران بالضلوع في الهجوم على السفينة التي تديرها شركة إسرائيلية في المياه العمانية، لكن إيران نفت أي علاقة لها في الحادثة.
وفي سياق آخر سلط تقرير فريق الخبراء في شأن اليمن التابع للأمم المتحدة، الضوء على انتهاكات ميليشيات الحوثي، بما في ذلك استغلال أنشطة التعليم لدفع الأطفال إلى تبني أفكار محرضة على الكراهية والعنف، وصولاً إلى تجنيدهم في جبهات القتال.
وتطرق التقرير السنوي لعام 2021 الذي سُلّم إلى مجلس الأمن، إلى الهجوم الصاروخي الذي تعرض له مطار عدن الدولي بالتزامن مع وصول الحكومة اليمنية الجديدة عام 2020، وقال إن الهجوم كان سيسفر عن عدد ضحايا أكبر في أوساط ممثلي الحكومة لولا تأخر هبوط الطائرة.
وتضمن التقرير معلومات حول استغلال الحوثيين للمعسكرات الصيفية والدورات الثقافية للحشد والتشجيع على الانضمام للقتال، إذ رصد فريق الخبراء في بعض المدارس وأحد المساجد التي يستخدمها الحوثيون لنشر عقيدتهم بين الأطفال، ترويج هذه المناشط لخطاب الكراهية والعنف ضد مجموعات معينة، حيث يُؤمر الأطفال بترديد شعار الحوثيين، "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود".
وذكر الفريق في تقريره المكون من 51 صفحة بأنه في "أحد المعسكرات يتم تعليم أطفال لا تتجاوز أعمارهم سبع سنوات كيفية تنظيف الأسلحة والهرب من الصواريخ".
وأشار إلى استغلال الحوثيين المساعدات الإنسانية من خلال توفيرها أو منع الأسر من الحصول عليها على أساس مشاركة الأطفال في أنشطة الحوثي، لافتاً إلى مشاركة البعض خوفاً على حياتهم أو منع الحوثيين وصول المساعدة الإنسانية إليهم.
فمنذ نهاية عام 2020، لاحظ الفريق الأممي تقدماً في ما يتعلق بوصول المساعدات الإنسانية وقيام المنظمات الإنسانية بأعمالها، إلا أنه وبحسب التقرير، لا يزال هناك عدد من العقبات التي تحول دون تقديم المساعدة الإنسانية بشكل فاعل في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ومنها التأخير في الموافقات على الاتفاقات الفرعية وطلبات مشاركة بيانات قوائم المستفيدين والضغط لاختيار الشركاء المنفذين أو تصميم البرامج، إضافة إلى القيود على وصول المساعدات والحركة، بما يشمل إجبار الموظفات على إحضار محرم ومضايقة العاملين في المجال الإنساني وتهديد عائلات بشطبها من قائمة المستفيدين، إذا رفضوا السماح لأبنائهم بالانضمام إلى قوات الحوثيين.
وإضافة إلى موظفي الأمم المتحدة اللذين اعتُقلا في نوفمبر العام المنصرم، وثّق الفريق اعتقال واحتجاز ثلاثة فاعلين إنسانيين آخرين من قبل الحوثيين، في حين لا تعكّر الحملة الإعلامية التي يروج لها الحوثيون ضد الأمم المتحدة صفو الأنشطة الإنسانية فقط، بل تخلق مخاطر أمنية إضافية على العاملين.
وفي سياق متصل، حمّل التقرير ضعف السلطات الحكومية مسؤولية المخاطر والعوائق التي تواجهها المنظمات الإنسانية في جنوب اليمن، ووثّق الفريق خمسة حوادث تم فيها منع أفراد أو شحنات إنسانية عند نقاط التفتيش، وثلاث حالات اختطاف مركبات المنظمات الإنسانية من قبل جهات غير معروفة في أبين وتعز.
ومن المعسكرات الصيفية إلى جبهات القتال، وثق التقرير مقتل 1406 أطفال زجّ بهم الحوثيون في ساحات المعارك عام 2020، و562 طفلاً بين يناير (كانون الثاني) ومايو (أيار) عام 2021، مشيراً إلى أن أعمار الأطفال تراوحت بين 10 إلى 17 سنة، ومعظمهم قتلوا في محافظات عمران وذمار وحجة والحديدة وإب، إضافة إلى صعدة وصنعاء.
وكان محمد الحوثي، القيادي في الكيان السياسي للميليشيات، قد رد على تقرير سابق تناول جملةً من الاتهامات من ضمنها استخدام الأطفال في المعارك، قائلاً إن التقرير لا يستند إلى حقائق ميدانية أو لجان مستقلة.
ومقارنة بالهجوم الذي تعرّضت له ثلاث سفن تجارية في خليج عدن في الفترة المشمولة في التقرير السابق، أشار التقرير الأممي الجديد الذي يغطي الفترة من 5 ديسمبر (كانون الأول) 2020 إلى 5 ديسمبر 2021، إلى تحول تركيز الهجمات الأخرى إلى البحر الأحمر
الذي شهد أربع هجمات، إذ وثّق التقرير خلال العام الماضي خمسة اعتداءات استهدفت سفناً تجارية، ورصد أساليب مشبوهة عدة ومسلحين على متن قوارب صغيرة في المياه حول اليمن.
كما رصد التقرير زيادة في عدد العمليات باستخدام العبوات الناسفة المرتجلة، لكن هذه المرة لم تكُن العبوات موجهة نحو السفن المتحركة، بل نحو السفن الراسية في منشآت النفط البحرية السعودية، التي كان بعضها على بعد أكثر من 1000 كيلومتر من اليمن. وفي بعض الحالات، نُشر نوع جديد أكبر من هذه العبوات أكثر استهلاكاً للوقود، كونه مزوداً بمحركين خارجيين. ورجّح التقرير إطلاق هذه العبوات الناسفة من "سفينة أم"، وذلك نظراً إلى المسافة المذكورة أعلاه.
وتضمن التقرير السري صوراً توثّق الهجوم الذي تعرّض له ميناء جدة في 14 ديسمبر 2020 بثلاث عبوات ناسفة، استهدفت قاعدة بحرية، وألحقت اثنتان منها أضراراً بسفينة حربية سعودية، في حين أصابت العبوة الأخرى ناقلة ترفع العلم السنغافوري في محطة "أرامكو السعودية" البحرية. وتسبب الهجوم في اندلاع حريق استمر قرابة الساعة، وعلى الرغم من عدم وقوع إصابات، فإن التقرير أشار إلى أضرار مادية كبيرة.
وفي 27 أبريل (نيسان) 2021، وقع هجوم مماثل بالقرب من محطة "ياسرف" في مدينة ينبع السعودية، حيث كانت ترسو الناقلة السنغافورية TORM HERMIA. وحينها، أكد طاقم السفينة أن البحرية السعودية اعترضت عبوة ناسفة على بعد 1.4 ميل بحري من السفينة، وهو ما أكدته السلطات السعودية، قبل أن تكشف عن العثور على عبوة ناسفة ثانية على مسافة 30 ميلاً بحرياً جنوب ميناء ينبع.
ومرة أخرى استبعد الفريق الأممي أن تعمل هذه العبوات الناسفة بشكل مستقل، لطول المسافة بين الشواطئ اليمنية وينبع، مرجّحاً تورط "السفينة الأم".
وكشف التقرير السري عن أن وتيرة إطلاق العبوات الناسفة مباشرة من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ازدادت بشكل ملحوظ خلال الفترة المشمولة بالتقرير. وقد أبلغت مصادر متعددة الفريق بأن هذه العبوات تُجمع وتُطلق من ميناء الحديدة الذي يعتبره التحالف العربي "الميناء الرئيس لاستقبال الصواريخ الباليستية الإيرانية"، وميناء الصليف، الذي يعتبر من أهم الموانئ الاستراتيجية في اليمن، ويقع في الشمال الغربي لمدينة الحديدة.
ويلفت التقرير إلى قدرات التحالف على اعتراض تلك المتفجرات وميله إلى الرد المباشر عليها بهجمات جوية تستهدف المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ما دفع بعثة الأمم المتحدة في الحديدة، في يوليو (تموز) 2021، إلى دعوة الجانبين إلى ضبط النفس للحفاظ على "اتفاق الحديدة واستمرار المساعدات".
وأكد التقرير أن اللجنة تحقق في ما إذا كانت المناطق المشمولة بالاتفاق تُستخدم لإطلاق العبوات الناسفة، مشيراً إلى أنها طلبت معلومات إضافية من التحالف العربي لدعم الشرعية وبعثة الأمم المتحدة في الحديدة. وحتى 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، أطلق الحوثيون 92 عبوة ناسفة منذ بداية الصراع، بحسب التحالف.
ووثّق الفريق أيضاً هجمات طائرات من دون طيار على سفن تجارية، منها هجوم في 30 يوليو العام الماضي، تعرّضت له الناقلة ALBERTA التي ترفع علم جزر البهاماس في ميناء منطقة جازان، جنوب غربي السعودية. وأظهر حطام الطائرة التي اصطدمت بمقدمة السفينة، ميزات تقنية تتفق مع الطائرات المسيّرة من طراز قاصف، التي يستخدمها الحوثيون بشكل متكرر لمهاجمة أهداف في جنوب المملكة. وفيما كان الضرر طفيفاً، ولم ترِد أنباء عن وقوع إصابات، فإن الحادث يظهر أن السفن الراسية لا تزال معرّضة للخطر، خصوصاً في الموانئ القريبة من اليمن.
أما عن الهجوم الذي تعرّضت له سفينة "ميرسر ستريت" قبالة سواحل سلطنة عمان، وأشارت تقارير أولية إلى احتمال انطلاق الطائرات المسيّرة من اليمن وضلوع الحوثيين، رجّح التقرير تورّط طرف آخر في الهجوم غير الحوثيين، نظراً إلى أن طول المسافة بين المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وموقع الهجوم تزيد على 1700 كيلومتر.
ولفت الفريق الأممي إلى أن نجاح هجوم على سفينة سرعة إبحارها معتدلة يقتضي نظاماً جوياً أو بحرياً واسعاً، في حين لا تمتلك ميليشيا الحوثي وصولاً إلى هذه الأنظمة. ومع ذلك، فإن هجوم خليج عمان يظهر التطور السريع لتكنولوجيا الطائرات المسيّرة التي يبدو أنها متاحة للحوثيين، بحسب التقرير.
وأوصى الفريق الأممي مجلس الأمن أن يحث في قراره المقبل "الحوثيين والحكومة اليمنية وقوات الساحل الغربي والتحالف على الامتناع عن اتخاذ إجراءات تقوّض اتفاقية استوكهولم"، وأن يطالب "الحوثيين بوقف الاستخدام العشوائي للألغام الأرضية، وإزالة الألغام الموجودة في المناطق المدنية الخاضعة لسيطرتهم".
كما دعا الفريق الأممي إلى "مطالبة المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية بوقف أي إجراءات تقوّض اتفاق الرياض والتلويح بفرض عقوبات ضد منتهكيه".
وأوصى مجلس الأمن بدعوة الدول الأعضاء إلى تكثيف الجهود لمكافحة تهريب الأسلحة والمكونات عبر الطرق البرية والبحرية، لضمان تنفيذ الحظر المفروض على الأسلحة، ومطالبة "أطراف النزاع (في اليمن) بوقف استخدام المدارس والمخيمات الصيفية والمساجد لتجنيد الأطفال، والتلويح بفرض عقوبات على المتورطين بهذه الممارسات".