يسير المشهد السياسي في العراق نحو اعلان معادلة جديدة تحكم البلاد خلال السنوات الأربع المقبلة بعد ان باتت نتائج الانتخابات التشريعية قاب قوسين أو أدنى من المصادقة رغم فيتو "الطعون".
ورغم الممانعة العنيفة التي تبديها القوى الشيعية والمقربة من إيران لإنعاش حظوظها الهابطة في اقتراع أكتوبر/ تشرين الأول إلا أن ذلك لم يشفع لها لغاية الآن وعلى ما يبدو بات رهان خاسر بامتياز.
وإذا ما جاءت النتائج التشريعية المبكرة بالمصادقة النهائية من قبل السلطة القضائية الأعلى في العراق وهي المحكمة الاتحادية ستكون قوى الأمس على طاولة الحساب والعقاب وهذا ما تخشاه طهران، وتحاول إيجاد مخارج آمنة لأحزابها الهابطة التي عملت على صناعتها طوال العقدين الماضيين.
ورغم أن إيران السلطة بدأت مؤخراً بالاستسلام لنتائج أكتوبر الصادمة التي أطاحت بمليشياتها في العراق، إلا أن ذلك يفرض عليها البحث عن تحالفات جديدة مع قوى مؤهلة أن تأخذ دور حلفاء الأمس داخل العراق وهو أمر بات من الصعب صناعته في ظل المتغيرات الآنية.
يقول المحلل السياسي ، علي الكاتب، إن "طهران لم تبدأ بالانحسار وطي أذرعها ليس في العراق فحسب وإنما يشتمل ذلك على خطوطها في اليمن ولبنان وسوريا، بعد تلقي الصفعات واحدة تلو أخرى".
وقد يكون الأمر مختلفاً في العراق، عن غيرها من مناطق الاستمكان الإيران، بحسب الكاتب، كونه يشكل أهم تلك المحاور لما يمتلكه من مقومات جيوسياسية تضع بغداد في مقدمة الصراع الإقليمي الدائر مع خصوم طهران.
ويستدرك المحلل السياسي العراقي إلا أن "الوقائع والمتغيرات التي تعيشها المنطقة برمتها تدفع بإزاحة فريق المرشد الإيراني عن التشكيلة الأساسية للوجه المقبلة وخصوصاً بعد خسارة مليشياتها في العراق صدارة المشهد السياسي".
لكن ما يجري على الأرض في المشهد العراقي يؤكد أن إيران ما زالت تتحرك عبر قنوات فصائلها المسلحة لتهديد المصالح الامريكية وأرتال التحالف الدولي، رغم إعلان بغداد انتهاء مهامهم القتالية والتحول لجوانب استشارية تدريبية.
في الأسبوع الماضي، تلقت المنطقة الرئاسية المحصنة وسط بغداد هجوماً بصاروخي كاتيوشا استهدفا مبنى السفارة الأمريكية، لكنه لم يؤت أكله لينتهي عند مستوى التهديد فقط.
ويعد هذا الهجوم هو الأول من نوعه منذ شهور بعد هدنة عقدتها فصائل مسلحة مقربة من إيران وأطراف حكومية بحسب مصادر أمنية مطلعة.
وكانت القوات الأمنية كشفت عن منصة أطلاق الصواريخ صبيحة الاستهداف وتحديد مكان الانطلاق عند إحدى المناطق في شرقي العاصمة التي تعد أهم معاقل مليشيات "عصائب اهل الحق"، المقربة من المرشد الإيراني.
وأول أمس سقطت طائرة مسيرة من طراز "كواد كابتر"، خلف محطة للوقود في منطقة المنصور كانت مصادر تحدثت أنها تقصد استهداف مبنى المخابرات الوطنية العامة غربي العاصمة.
يقول الخبير الاستراتيجي، إحسان عبدالله، إن "إيران تنازع موتها في العراق ولا تريد رفع الراية البيضاء.. ضعف دورها ولن تكون قادرة على أحداث تغيير كبير".
ويضيف عبدالله لـ"العين الإخبارية"، أن "المليشيات العراقية المسلحة وكما هو معروف أوجدتهم طهران لإدارة المعاركة مع خصومها في جبهات متقدمة وخارج أراضيها كأوراق ضغط لاستحصال مواقف وتطويع إرادات إقليمية ودولية لحساب مصالحها".
ويستدرك بالقول: "ما حدث مؤخراً في المنطقة الرئاسية الخضراء يؤكد أن إيران لا تعني بموضوع انسحاب أو انتهاء الوجود القتالي في العراق وإنما تريد ممارسة إعلام عسكري بأنها قادرة على صناعة الحرب والسلام في المنطقة العراقية كرسائل للولايات المتحدة في وقت تجري مباحثاتها المأزومة في فيينا بشأن مشروعها النووي".
يذهب رئيس مركز "تفكير"، السياسي، الأكاديمي، إحسان الشمري، إلى أبعد من ذلك، إذ يقول إن "المليشيات تريد أن تقول أن حربها مع واشنطن لا تنتهي بانتهاء مقارها القتالية في العراق".
ويوضح الشمري خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "توقيت التصعيد لا ينفك من دلالات تتعلق بمجريات ما يجري في فينا وكيفية فرض إراداتها على القطار الغربي بتمرير مشروعها النووي".
ومع ذلك وكما يرى الدكتور إحسان الشمري، أن التهديدات التي تطلقها تلك المليشيات المقربة من إيران ستبقى محدودة وضمن نطاق لا يتجاوز تسجيل الأهداف المرجوة من ذلك .
ويتفق الكاتب مع ذلك الرأي، حيث يؤكد أن أثقال القوى اليوم قد اختلفت كثيرا عما كانت عليه بالأمس سواء في طبيعة الحاضر السياسي أو على مستوى الشارع العراقي الذي بات يلفظ كل من شانه ان يكون حاضنة لتلك الفصائل وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى ضعف مستوى التهديد الإيراني في المستقبل القريب.