يبدو أن ملف النازحين الذي نتج من العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش" الذي احتل عدداً من المدن العراقية في يونيو (حزيران) عام 2014، لم يُغلق بشكل كامل، فبعد أربعة أعوام من إعلان بغداد طرد التنظيم من البلاد، لا يزال ملف النازحين مفتوحاً.
وعلى الرغم من عودة نسبة كبيرة من النازحين بعد انتهاء العمليات العسكرية عام 2017، فإن عشرات الآلاف منهم لا يزالون في المخيمات، يعانون سوء الأوضاع وسكن نسبة كبيرة من العائدين في عشوائيات داخل مدنهم تفتقر إلى أبسط الخدمات ومقومات الحياة، بينما خطوات الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2017 كانت بطيئة في التعامل مع هذا الملف لتصدّر ملفات أخرى أولويات عملها، فضلاً عن عدم قدرتها على إرجاع النازحين إلى بعض المناطق لأسباب أمنية وسياسية أو حتى تهيئة الأوضاع المعيشية، لا سيما توفير فرص عمل للعائدين منهم.
وقدّرت منظمة الهجرة الدولية، الجمعة، وجود حوالى 1.2 مليون نازح في العراق حتى الآن.
وذكرت في بيان أن "أكثر من ستة ملايين عراقي نزحوا من مناطقهم الأصلية خلال النزاع مع داعش. ومنذ الإعلان رسمياً عن انتهاء النزاع، عادت مئات الآلاف من الأسر إلى مناطقها الأصلية". وأوضحت أن "التقديرات تشير إلى نحو 1.2 مليون شخص ما زالوا في حالة نزوح"، مؤكدة لزوم "تقديم الدعم المستمر لإنهاء النزوح الداخلي والتوصل إلى حلول دائمة، بما في ذلك العودة الطوعية إلى مناطق الأصل".
وأضافت المنظمة أن "مخيم الجدعة في محافظة نينوى شهد في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مغادرة 397 فرداً من 89 أسرة نازحة للعودة إلى مناطقهم الأصلية في نينوى وصلاح الدين".
واستبقت الكتل السنية المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة بوضع قضية المهجرين كملف أساس في المباحثات المرتقبة. وقال مصطفى الكبيسي، المستشار السياسي لرئيس تحالف العزم خميس الخنجر في منشور، إن "منظمة الهجرة الدولية ذكرت في تقرير أن هناك 1.2 مليون عراقي نازح، لذلك من الضروري وضع ملف النازحين شرطاً أساساً قبل دعم أي حكومة جديدة".
وأضاف أن "الشريك الذي يتقبّل وجود هذا العدد من العراقيين في وضع إنساني صعب، لا يمكن تحقيق شراكة وطنية حقيقية معه". وأكد تحالف "تقدم" الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، في بيان، أن "ملف النازحين من أولوياته ضمن مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة"، مشدداً على "وضع ورقة عمل سياسية لحل هذه الأزمة من ضمن خطوات لحل أزمات البلاد الأخرى".
وكشف مدير دائرة الفروع في وزارة الهجرة والمهجرين علي عباس جهانكير أن "أعداد النازحين في المخيمات بحدود 250 ألف شخص، فيما أكد أن غالبيتهم اندمجت في المجتمعات التي نزحوا إليها". وأضاف أن "عدد الأسر النازحة بعد أحداث 2014 بلغ 900 ألف أسرة بحدود من 4.5 إلى 5 ملايين نازح، عاد منهم ما يقارب 80 إلى 85 في المئة"، مشيراً إلى أن "بعض الذين لم يعودوا إلى مناطقهم هم أقليات الإيزيديين والصابئة والمسيحيين".
وذكر جهانكير أن "كثيراً من نازحي الأقليات هاجروا إلى ألمانيا وأستراليا وبلدان أخرى ليستقروا فيها"، لافتاً إلى أن "المتبقين اندمجوا في المجتمع واتخذوا من مناطق النزوح مستقراً لهم". وأضاف أن "الذين ما زالوا في طور النزوح، الذي يتطلب تقديم مساعدة لهم هم الموجودون في المخيمات وعددهم لا يتجاوز 200 إلى 250 ألفاً وأكثرهم من أهالي سنجار"، مشيراً إلى أن "جزءًا كبيراً من النازحين لم يعودوا إلى مناطقهم واشتروا أو استأجروا منازل في أربيل والسليمانية ومناطق أخرى واتخذوا من مناطق النزوح سكناً لهم".
ووصف جهانكير الأرقام الصادرة عن المؤسسات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين بغير الواقعية، مبيّناً أن أرقام وزارة الهجرة العراقية تتحدث عن مليون نازح اندمجوا في المجتمع ولا يرغبون بالعودة.
"ويبلغ عدد المخيمات في إقليم كوردستان 26 مخيماً يقطن فيها 36 ألف عائلة، 27 ألفاً منهم من أهالي سنجار، والبقية من مناطق عزيز بلد وجرف الصخر وكذلك مناطق الخازر"، بحسب جهانكيز، الذي أشار إلى أن "ملف سنجار معقد وله تداعيات أمنية وسياسية ويحتاج إلى جهود لحلحلته". ولفت إلى "وجود مخيم واحد خارج الإقليم وهو مخيم الجدعة في الموصل وهو قيد الإغلاق"، موضحاً أن "النازحين يصلهم الوقود والكهرباء والطعام إلا أنه في كل الأحوال يبقى مخيماً". وأكد "تحقيق الهدف بإغلاق جميع مخيمات النازحين هذا العام ولم يبقَ سوى مخيمات الإقليم"، مبيّناً أن "المؤسسات الدولية لن تستمر في تمويل أعمالها الإنسانية إلى ما لا نهاية".
بدوره قال رئيس مؤسسة عين الموصل الإنسانية أنس الطائي إن "90 في المئة من النازحين بالموصل يسكنون العشوائيات"، مشدداً على "ضرورة إيجاد عمل لهم لتحفيزهم على الرجوع إلى مدنهم". وأضاف أنهم "أتوا من القرى والأرياف المحيطة بمحافظة نينوى وسكنوا في المدينة بعشوائيات والأبنية الحكومية غير المكتملة وبعض الشوارع"، لافتاً إلى "أنهم كانوا يعيشون سابقاً قبل نزوحهم وسط أوضاع صعبة وعملوا في المدينة واستقروا فيها".
وأوضح أن "هؤلاء أثّروا في عادات المدينة، فكانوا سابقاً في مجتمع قروي لم يعتادوا على أوضاع المدينة ونقلوا بعض العادات السيئة إلى مدينة الموصل"، مشيراً إلى أن "مشكلاتهم فاقت مشكلات النازحين وتم نقل العشائرية منها إلى المدينة". وشدد على "ضرورة إيجاد عمل لهؤلاء النازحين لأن غالبيتهم يتذرعون بعدم وجوده عند رجوعهم إلى قراهم"، مقترحاً "تجهيز بقرة لكل عائلة كمصدر رزق لهم، كونهم كانوا مزارعين ويقولون إن ماشيتهم قد نفقت أو سرقت عند النزوح".