Skip to main content

الميليشيات الإيرانية تدافع عن غنائمها في العراق

الجيش العراقي
AvaToday caption
أن الحشد الشعبي من خلال استعراضات ميليشياته المعادية للدولة نسف بنفسه ما كان يتم ترديده من أنه جزء من القوات العراقية المسلحة التي تأتمر بأوامر رئيس الوزراء الذي هو في الوقت نفسه القائد العام للقوات المسلحة
posted onNovember 17, 2021
nocomment

فاروق يوسف

ليس واردا أن تمر الأزمة التي نتجت عن محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها رئيس الوزراء العراقي في خضم الصراع حول نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة.

المعترضون على تلك النتائج وهم المتهمون بالقيام بتلك المحاولة يسعون الآن إلى أن يضعوا تلك الأزمة وراء ظهورهم انطلاقا من فرض أجندة تفرض أصواتهم المحتجة على المشهد في ظل تراخ قانوني لا يملك رئيس الحكومة أمامه سوى أن يحشد القوى الفائزة في الانتخابات، كونها هي المقصودة بما تعرض له.

فلو تمت تصفية الكاظمي جسديا لانتقلت الميليشيات إلى موقع الدفاع عن النظام في مواجهة المؤامرة المفترضة التي ستحاط بركام من الاكاذيب الموجهة تهما إلى أطراف خارجية تقع على عاتقها مسؤولية اغتيال رئيس الحكومة.

بهذا المعنى كانت نجاة الكاظمي بمثابة السد الذي منع وقوع عملية سرقة الفوز من القوى التي ربحت أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب والتي ستكون مؤهلة لإقامة حكومة أغلبية سياسية وهو ما يعده البعض خطوة في اتجاه فك الارتباط بنظام الاحزاب الطائفية.

غير أن ذلك لا يعني أن العاصفة قد هدأت. لا يزال زعماء الكتل السياسية والميليشيات الموالية لإيران يعدون جمهورهم بقلب المعادلات التي يمكن ان تنتج عن الانتخابات بما يشير إلى إمكانية الانقلاب على النتائج أو اعادة الانتخابات بغض النظر عن موقف المؤسسات الدولية.

ما تدعو إليه الميليشيات لا يبعد قيد انملة عن دائرة التمسك بنظام المحاصصة الحزبية كما وضعته سلطة الاحتلال الأميركي وحمته ودعمته إيران. وهو ما يثبت أن القوى المحتمية بإيران لا ترى في الانتخابات إلا شعارا مهلهلا ترضي من خلاله الولايات المتحدة والغرب ودعاة الديمقراطية الناقصة والرثة من ورائها. الانتخابات بالنسبة لها هي عرس مؤقت تعود الامور بعده إلى ما كانت عليه من قبل. غير أن الموقف الشعبي المستند على احتجاجات تشرين 2019 قلب تلك المعادلة وجاء بنتائج غير سارة

إن أشد ما تخشاه القوى الخاسرة في الانتخابات أن يتم عزلها وحرمانها من الحكم. فهي لم تحكم طوال أكثر من 15 سنة من أجل أن تذهب في النهاية إلى المعارضة. كما أن حرمانها من الحكم يعني توقف ألة الفساد التي تضمن لها الاستمرار في نهب ثروات العراق عن العمل. وهو ما تعتبره اعتداء على حق أساسي لها لا ينافسها عليه أحد من الشعب العراقي.

كان العراق ومنذ سقوط دولته بسبب الغزو غنيمة حرب بالنسبة للذين رافقوا الجيوش الغازية ويجب أن يبقى كذلك. وكان واضحا من خطاب المهزومين أنهم يعتبرون أنفسهم محررين وينبغي أن لا تكون المكاسب التي حصلوا عليها محصورة بزمن محدد. لذلك فإن الكاظمي حين حاول ترشيد انفاق الدولة تمت مواجهته بموجة من السخرية التي لا تخفي قدرا عظيما من السخط والغضب، بل والتهديد المباشر بتصفيته، كونه رجلا عابرا لا يمت لأصل العملية السياسية بصلة.

وبالرغم من أن الكاظمي كان قد خسر كل المعارك التي دخل فيها ضد الميليشيات حين لم يستطع فرض قرار واحد في حق قتلة المتظاهرين ومنفذي عمليات قصف السفارة الأميركية ومحيطها وكبار الفاسدين بحيث بدا أن الافلات من العقاب هو المبدأ الذي يجب اعتماده في علاقة الدولة بالمجرمين غير أن تلك الهزائم في حقيقتها لم تكن انتصارا بالنسبة للجانب الآخر. اي جانب الميليشيات والأحزاب التي تحتمي بها وتستند مثلها على الحماية الإيرانية.  

في تلك المعارك التي أشعل الكاظمي نارها ظهرت الأحزاب والميليشيات بوجهها الحقيقي قوى خارجة عن القانون وتعمل على تدمير كل محاولة لإقامة دولة في العراق. كما أن الحشد الشعبي من خلال استعراضات ميليشياته المعادية للدولة نسف بنفسه ما كان يتم ترديده من أنه جزء من القوات العراقية المسلحة التي تأتمر بأوامر رئيس الوزراء الذي هو في الوقت نفسه القائد العام للقوات المسلحة.

لقد هددت الميليشيات غير مرة بقتل رئيس الوزراء.

ما لم تكن الميليشيات تضعه في حساباتها بسبب عمى السلاح أن ما تفعله سيعود عليها بالخسارة. وبالفعل فقد هدم الحشديون في الزمن القليل الذي اصطدموا به بحكومة الكاظمي ذلك الصرح الوهمي الذي شيدوه في مخيلة الجماهير الخاضعة لـ"قداسة المرجعية الدينية". حين صار الحشد الشعبي يحمي القتلة واللصوص، بل ويفاخر بأنه يقوم بذلك تنكيلا برئيس الوزراء فإن ذلك كان اعترافا علنيا بأن الحشد الذي قيل إنه مقدس لا علاقة له بالوطنية ولا بالنزاهة ولا بالعدالة.

وما محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي إلا الضربة القاضية التي لن تنجح إيران في انقاذ أحزابها وميليشياتها من تداعياتها. غير أن الصراع قد لا تحسمه معركة واحدة. فالحشد الذي انطلق من فتنة طائفية سيتمكن من البقاء حيا بفعل امداده بالهواء الإيراني وهو موت سريري، ولكن موته النهائي يعتمد على مدى صدقية خصومه ووطنيتهم.