انتهت المعارك الانتخابية في العراق، لكن معركة أخرى تلوح في الأفق ليس طعنا قانونيا بل لي أذرع بين الكتل الشيعية الخاسرة والتيار الصدري الذي تصدر نتائج الانتخابات بـ73 مقعدا ويعمل على تعزيز التحالفات بدل الائتلافات لبلوغ غالبية مطلقة (166 مقعدا) تتيح له أريحية في تشكيل الحكومة.
ولا يبدو المسار المعلن هيّنا مع تلويح الكتل الشيعية الخاسرة بالنزول للشارع وتهديد أذرعها المسلحة باللجوء للسلاح إذا ما تم اعتراض المحتجين الرافضين لنتائج الانتخابات.
وقد نفذت اليوم الأحد تهديدها بتنظيم مسيرات رافضة لنتائج الانتخابات وقالت إن من حقها الاحتكام للشارع.
والاحتجاجات واحدة من الطرق السلمية للتعبير عن رأي معارض أو رفضا لنتيجة الانتخابات إلا أن الأخطر هو أن تحتكم تلك الكتل التي لها أذرع مسلحة، إلى السلاح خاصة بعد أن أعلن مقتدى الصدر عزمه حصر السلاح بيد الدولة.
وحتى حصر السلاح بيد الدولة فيه ثغرات لا تتيح له تطبيق ذلك فمعظم الميليشيات المسلحة وغير المنضبطة والتي تشكل دولة داخل الدولة هي ميليشيات الحشد الشعبي المنضوي تحت القوات النظامية الأمنية والعسكرية.
الكتل الشيعية الخاسرة اختارت الاحتكام للشارع الذي سبق لزعيم التيار الصدري أن حركه لحسابات وطموح شخصي، في وجه تلك الكتل التي كانت تشكل الائتلاف الحاكم على مدى ما يزيد عن 15 عاما وهي الطبقة السياسية التي يتهمها الصدر ذاته بـ"الفساد".
واللجوء للشارع بات معركة مفتوحة على كل الاحتمالات بما في ذلك العنف والعنف المضاد وهو سيناريو يرخي بظلال ثقيلة على جهود إرساء الاستقرار في العراق.
وهزيمة الكتل الشيعية في الانتخابات البرلمانية المبكرة هي هزيمة لإيران بكل المقاييس لكن الأخيرة لا يبدو أنها مستعدة لإخلاء الساحة لمنافسين إقليميين كلفها ذلك ما كلفها.
ويقدم الصدر نفسه على أنه وطني ويحظى بدعم من مرجعية النجف المحلية التي تكابد في وجه سطوة مرجعية قم الإيرانية التي تلعب دورا مفصليا في عملية الهيمنة على العراق، لكن حتى الصدر نفسه كثير التردد على طهران سرا وعلانية، ما يرسخ فكرة أن قرار الهدوء والفوضى في العراق بيد إيران.
وفي علامة على مسار احتجاجات الكتل الشيعية الخاسرة قام العشرات من أنصارها اليوم الأحد في مناطق شمال بغداد واثنين من محافظات الجنوب، بقطع طرقات من ضمنها طريق عام يربط العاصمة العراقية بالمحافظات الشمالية.
وذكرت مصادر في البصرة أن عددا من المحتجين قطعوا طرقات عامة وسط المحافظة الأمر الذي تسبب في عرقلة حركة التنقل وامتدت المسيرات من أقضية ونواحي المحافظة إلى مناطق بالشمال في منطقة الحسينية شرق العاصمة. وردد المحتجون شعارات تندد بعمل المفوضية العليا للانتخابات وبما اعتبروها تزويرا للنتائج.
وتوعد المتظاهرون بالاستمرار في الاحتجاجات ملوحين بتنظيم اعتصامات قالوا إنها ستكون سلمية لن تتوقف حتى تحقيق مطلب إعادة فرز جميع المحطات أو إعادة الانتخابات.
ولوحت تنسيقية المقاومة التي تمثل الميليشيات الشيعية ومن ضمنها الهيأة العامة لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، باحتجاجات ضخمة في بغداد لما سمته "جمهور" الكتل المنضوية في الإطار التنسيقي الشيعي لمطالبة الحكومة بإلغاء نتائج الانتخابات.
وذهبت تنسيقية الميليشيات الشيعية المسلحة إلى أبعد من مجرد الاحتجاجات السلمية ملوحة باللجوء للسلاح في حال تعرضت قوات الأمن للمتظاهرين الرافضين لنتائج الانتخابات.
وقالت في بيان إن "المقاومة العراقية كانت وستبقى سدّا منيعا بوجه كل المشاريع الخبيثة التي تستهدف أبناء شعبنا الأبيّ وتؤكد أن من حق العراقيين الخروج احتجاجا على كل من ظلمهم ورفض الإذعان إلى مطالبهم وصادر حقهم".
وتابعت "نحذر تحذيرا شديدا من أن أيّ محاولة اعتداء أو مساس بكرامة أبناء شعبنا في الدفاع عن حقوقهم وحفظ حشدهم المقدّس فضلا عن إخراج القوات الأجنبية من بلدهم، فإنها سَتُواجَه برجال قُلُوبُهُمْ كَزُبَرِ الْحَدِيدِ وقد خَبِرَتْهُم سوحُ القتال، ولاتَ حين مندم".
وتأتي هذه التطورات بينما أفاد مصدر من التيار الصدري بأن زعيم التيار مقتدى الصدر سيشرف خلال الأيام القليلة المقبلة على المشاورات والمفاوضات مع الكتل الفائزة في الانتخابات لتشكيل الحكومة.
ما إن أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق أمس السبت إتمام الفرز اليدوي لما يزيد على ثلاثة آلاف مركز اقتراع في أنحاء البلاد حتى احتدم الجدل بين كثير من السياسيين في حين اعترض بعضهم فيما اعتبره محللون سياسيون مناورات "مخزية" هدفها الحصول على قطعة من الكعكة.
وقال القاضي جليل عدنان رئيس مفوضية الانتخابات "تعلن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن إكمالها بنجاح تدقيق 3681 محطة اقتراع التي لم ترسل نتائجها عبر الوسط الناقل أو عبر عصي الذاكرة أو كليهما في يوم الاقتراع نتيجة خلل في تطبيق الإجراءات الفنية اللازمة وإضافتها إلى النتائج السابقة التي أعلنتها المفوضية لتصبح النتائج الأولية لجميع محطات الاقتراع في عموم العراق متاحة للجميع".
وقال الصحفي فقّار فاضل "رأينا الكثير من الكيانات التي فيها لغة خطيرة تستهدف العراقيين وفيها لغة تهديدية تصعيدية بمجرد ما هدد مناصبهم الانتخابية أو مقاعدهم البرلمانية فهذا يفسر شيئا واحد، هو كمية المصلحة أو كمية المكاسب التي كانوا يستفيدون منها في الانتخابات البرلمانية السابقة".
وقال الأستاذ الجامعي عباس الجبوري "أما أنت تريد لا تقدم شي وتمسك السلطة، ولا تقدم شي للشعب وتريد الشعب يطلع ينتخب، هذا شي معيب. أنا أعتقد ما حصل من بيانات وتحركات كلها مجرد بالونات ستنتهي عندما يتم تقاسم السلطة من جديد وإعطاء المناصب والعودة إلى المحاصصة والتوافق".
وكان العراق قد أعلن يوم الأربعاء الماضي إجراء عملية إعادة فرز يدوية في أكثر من ثلاثة آلاف مركز اقتراع في محاولة لمطابقة نتائج الاقتراع التي تم فرزها مسبقا بواسطة النظام الإلكتروني الجديد.
وكان 167 حزبا سياسيا على الأقل وأكثر من 3200 مرشح قد خاضوا الانتخابات البرلمانية التي أُجريت يوم الأحد الماضي على أمل الفوز بما يتيسر من مقاعد البرلمان وعددها 329 مقعدا.
وأُجريت هذه الانتخابات قبل عدة أشهر من موعدها، في استجابة للاحتجاجات الجماهيرية عام 2019 التي أطاحت بالحكومة وأظهرت غضبا واسع النطاق على القادة السياسيين الذين يقول العديد من العراقيين إنهم أثروا أنفسهم على حساب البلاد والشعب.
وأدلى ما يزيد على 9.6 ملايين ناخب بأصواتهم في الانتخابات بنسبة إقبال رسمية بلغت 43 بالمئة فقط، بما يشير إلى أن التصويت فشل في جذب الناخبين لا سيما الشبان العراقيين الذين تظاهروا وسط حشود ضخمة قبل عامين.
وأعرب النائب السابق مازن عبدالمنعم عضو كتلة النهج الوطني عن أسفه لنتائج الانتخابات وقال "إحنا نشعر بالغبن ونعرف إنه أصواتنا وامتداداتنا وعندنا مجساتنا وعندنا ناسا وعندنا تنظيماتنا إنه مو هذا حجمنا. أني أتكلم عن كتلة النهج الوطني إنه ما هذه مقاعدنا ومو هذا الاستحقاق وجاي نطلب طلب منطقي إحنا نقول نطالب بالعد والفرز اليدوي. عند ذلك إذا طلعت النتائج مطابقة ذلك الوقت راح يكون الكلام إنه إحنا مسلمين لهذا الأمر الواقع وماكو إشكالية هي هذه العملية الانتخابية مرة تصعد أصواتك ومرة تقل أصواتك ومقاعدك".
ومنذ الإطاحة بالرئيس العراقي السابق الراحل صدام حسين أجرى العراق خمس انتخابات برلمانية. وخفت حدة العنف الطائفي الذي اندلع خلال الاحتلال الأميركي، كما هُزم عام 2017 مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية الذين استولوا على ثلث العراق في عام 2014.
لكن كثيرا من العراقيين يقولون إن أوضاعهم المعيشية لم تتحسن بعد، فالبنية التحتية في حالة سيئة وخدمات الرعاية الصحية والتعليم والكهرباء لا تتوفر بالقدر الكافي للمواطنين.