هددت شركة "أبل" (Apple) بإزالة تطبيق موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيسبوك" من متجر التطبيقات الخاص بها (App Store)، بعدما كشف تقرير سري لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن عمليات اتجار بالبشر تحصل عبر الموقع وهو على علم بها.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت أن أشخاصاً من الشرق الأوسط استخدموا "فيسبوك" لنشر إعلانات توظيف تحولت إلى واجهة للاتجار بالبشر، مؤكدةً أن إدارة الموقع كانت على علم بما يجري حتى قبل تحقيق "بي بي سي".
كما أظهرت الوثائق التي نشرتها "بي بي سي" أن موظفي "فيسبوك" كانوا قد كشفوا تلك العمليات التي تقوم على إغراء نساء بالوظائف، وقد وقع بعضهن فعلاً في فخ العمل في ظروف مسيئة، حيث تم استغلالهن جنسياً وجسدياً ومنهن مَن تعرضن للابتزاز الجنسي الإلكتروني أيضاً. وتقدمت كثيرات بشكاوى أخيراً بعد وقوعهن ضحية هذه العمليات. وكان موظفون في "فيسبوك" حذروا رؤساءهم، وفق ما ذُكر، بشأن عمليات بيع الأعضاء والمواد الإباحية وغيرها، لكن الاستجابة كانت شبه معدومة من قبل الإدارة، فاكتفت باتخاذ إجراءات محدودة من قبيل إزالة بعض الصفحات، فيما بقي عدد كبير منها يعمل علناً وفق ما ورد في الوثائق. وعلى الرغم من أن الموقع كان يُستخدم بمعدل كبير في الدول النامية عامةً، ويطال بشكل خاص البلدان الآسيوية في هذا النوع من العمليات، كانت ضحاياه أخيراً من العالم العربي أيضاً وبمعدلات مرتفعة.
ويقف "فيسبوك" حالياً أمام استحقاق السعي إلى تحسين صورته، إثر الاتهامات الموجهة ضده على اعتبار أنه "لم يتعامل بجدية مع الشكاوى التي وصلته، بينما كان هم إدارته الأساسي هو ضمان المصالح المادية والاستمرارية".
ومن المؤكد أنه من مصلحة إدارة "فيسبوك" عدم توفير أي جهد للتأكيد على حس المسؤولية لديها، خصوصاً أن التقرير كان قد أكد أنها كانت على علم بما يحصل، لكنها تغاضت عن الشكاوى التي وصلتها، حتى وإن كانت ادعت لاحقاً أنها لم تكن على علم.
وبحسب الباحث في استراتيجيات التواصل عادل المصري، فإن "فيسبوك يحاول أخيراً تصحيح الوضع، عله يعيد الأمور إلى نصابها عبر خطوات معينة، منها إخضاع إعلانات التوظيف إلى رقابة. إلا أن هذا لا يبدو كافياً، فتلك الإعلانات عديدة وتصعب السيطرة عليها على منصة من هذا النوع، وهي متاحة للكل وتحظى بانتشار واسع. وقد لا يكون من الممكن السيطرة على الوضع في مثل هذه الحالة، إلا عبر التدقيق في معلومات كل شركة تضع إعلاناً للتوظيف، للتأكد من سجلها التجاري وأوراقها وما إذا كانت وهمية أو موجودة فعلاً". وأضاف المصري أن "من الاعتراضات على أداء فيسبوك، أنه يُفترض أن يبقى موقعاً للتواصل الاجتماعي، ولا يتحول إلى منصة للتوظيف، خصوصاً أن إعلانات التوظيف هذه تتم بطريقة عشوائية، في حين أن الموقع على علم بعمليات الاتجار بالبشر التي تتم من خلاله ويتغاضى عن تلك المشكلة من أجل مصالحه. لذلك يبدو وكأن الهم الأساسي للموقع أصبح اليوم أن يحمي نفسه قانونياً بعيداً عن التداعيات الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية لما يحصل".
أما تهديد "أبل" لـ"فيسبوك" فيبدو أنه أقرب إلى التحذير الجدي لدفع الموقع إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لتصحيح المسار، لكن لم تتضح الصورة بعد، حول ما إذا كان ذلك سيحصل فعلاً.
من الواضح أن لكل من مواقع التواصل الاجتماعي مواصفاته ومتتبعيه ومستوى رقابة ذاتية يفرضها على نفسه. إلا أن معايير عدة تفصل بين تلك المواقع بدءاً من الإدارة ووصولاً إلى أدق التفاصيل. فعلى سبيل المثال، إن إدارة "إنستغرام" و"فيسبوك" هي نفسها، بالتالي فإن الإعلانات في كل منهما متوازية والمستوى الرقابي أيضاً.
في المقابل، يختلف تطبيق "لينكد إن" بحسب المصري بأنه "موقع مخصص للتوظيف وفيه معايير معينة، حيث أن البيانات التي تُدخلها الشركات أو الأشخاص دقيقة جداً، ولا يكون المجال مفتوحاً لوضع إعلانات مزيفة، أو لشركات وهمية يمكن أن تستغل البعض أو تقوم بعمليات مشبوهة، بينما تشتد الرقابة بشكل خاص على تويتر، حيث لا مجال لوضع إعلانات التوظيف، بالتالي يصبح خطر حصول هذا النوع من المشكلات أو الابتزاز أو الخداع أقل. ويمكن القول إن الحرية التي ينادي بها فيسبوك من حيث المحتوى اتخذت اتجاهاً معاكساً بحيث خرجت الأمور عن السيطرة، ولم تعد هناك أي قيود. فالمجال أصبح مفتوحاً لهذا النوع من المشكلات كعمليات الاتجار بالبشر أو الابتزاز الجنسي أو غيرها".
لكن على الرغم مما حصل ومن خطر أن يتكرر هذا النوع من المشكلات، اعتبر المصري أن "المشكلة ليست في فيسبوك بذاته اليوم، بل في فكر هؤلاء الأشخاص الذين يروجون لهذه العمليات. فهم موجودون شئنا أم أبينا، بوجود فيسبوك أو عدمه. ويمكن أن يقوموا بهذا النوع من الأعمال سواء عبر فيسبوك أو عبر أي وسيلة أخرى، حيث أنها كانت تحصل سابقاً قبل وجود فيسبوك عبر الرسائل الالكترونية. ولا يجب التركيز على فيسبوك بوصفه أساس المشكلة. لديه مسؤولية فعلاً في نشر الوعي والتركيز على دوره في توعية المجتمع تجنباً للوقوع في فخ هؤلاء الأشخاص، ومن واجبه العمل على وقف هذه العمليات وممارسة الرقابة المشددة. ويكمن الدور الأساس لفيسبوك فعلاً في تدقيق المواد التوظيفية والإعلانات وفي كل الوثائق والبيانات التي تُقدم".
بعيداً عن الرقابة المشددة التي هي من مسؤولية "فيسبوك"، ودوره في اتخاذ الإجراءات اللازمة منعاً لحدوث عمليات اتجار بالبشر أو تهديد أو ابتزاز أو غيرها، يرى مراقبون أنه يجب أن يركز الموقع الشهير على حملات توعية المجتمع تجنباً لوقوع مستخدمي مواقع التواصل ضحايا لعمليات الاحتيال هذه، خصوصاً أنه متاح للجميع. ويُتوقع ألا يألو "فيسبوك" جهداً لتحسين صورته والعمل على نشر الوعي الذي بات يُعد حاجةً ملحة، فثمة حملة موجهة ضد الموقع بسبب المحتوى والأداء الذي تشوبه اعتراضات عدة ما يجعله في وضع حرج. ومن الطبيعي أن يقوم اليوم بخطوات جدية ليثبت أنه لم يكن على علم بعمليات الاحتيال والاتجار بالبشر التي حدثت من قبل مستخدمين استغلوه لتحقيق أهدافهم. كما يُتوقع أن يتخذ "فيسبوك" إجراءات يؤكد فيها على جديته في التعاطي مع هذه المشكلات منعاً لتكرارها.