جويس كرم
وصول جوزيف بايدن إلى الحكم في يناير الفائت كان من المفروض أن يحمل بشرة سارة لإيران بعد أربع سنوات من العقوبات والاغتيالات والعبث بالأمن الإقليمي مع دونالد ترامب.
تسعة شهور والتشنج الأميركي-الإيراني على حاله من التجاذب على رقعة الشطرنج الإقليمية، تعقيدات الملف النووي والسلبية التي ما زالت تحيط علاقة إيران بالسعودية رغم ما تشيعه طهران عن حوار اقليمي.
بايدن والرئيس الإيراني السابق حسن روحاني كانا يرغبان بعودة سريعة للاتفاق النووي، أقله قبل انتخابات الصيف التي خسر فيها فريق روحاني-جواد ظريف. هذه الحسابات خربها الحرس الثوري باعتداءات طالت مصالح أميركية في العراق والخليج وأخرى متهمة بها اسرائيل داخل إيران ومنشآتها النووية، فيما حسم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أمره بإعادة الدفة للخط المحافظ.
وصول إبراهيم رئيسي إلى الحكم واستبدال ظريف بأمير عبد اللهيان هو جواب من خامنئي واضح لبايدن بأن إيران تنوي انتزاع أضخم حجم ممكن من التنازلات من الأميركيين قبل استئناف المفاوضات. فوعود العودة لطاولة فيينا "خلال أسابيع" وفي "أقرب وقت" هو كلام شاعري عمره تخطى الأسابيع وليس له ترجمة فعلية من دون عودة طهران للمفاوضات.
اليوم رهان إيران هو على رفع بايدن بعض العقوبات عنها وعن حسابات محجوزة في لندن وسيول قبل الدخول في المفاوضات. وتقول إيران أن بايدن أبقى على ١٦٠٠ إجراء عقابي من عهد ترامب. هذا الكلام صحيح، إنما المعضلة اليوم بين الطرفين هي أن بايدن غير قادر بهذه البساطة على رفع عقوبات إطارها قانوني وسيضعه في مواجهة مع الكونغرس والبيروقراطية الأميركية.
أزمة بايدن في هذا الخصوص هي أكبر بعد انسحابه المتعثر من أفغانستان وإظهاره اميركا في موقع متراجع دوليا وأمام طالبان. هذا يقوض فرص التنازل لإيران أو تكرار الانسحاب الأفغاني في الشرق الأوسط. من هنا، تتحدث الإدارة الأميركية عن خيارات زيادة العقوبات على إيران في حال لم تعد للمفاوضات.
الجمود الديبلوماسي يوازيه تشنج إقليمي من العراق إلى اليمن، ومن دون أي اختراق ملموس في الملفات الشائكة بين طهران والجوار. فرغم حديث اللهيان بإيجابية عن الحوار السعودي-الإيراني لم نر أي نتائج عملية، بل إن الحوثيين يصعدون في اليمن، وحزب الله يتوسع في لبنان، والميليشيات العراقية تتأهب قبل الانتخابات.
هذه البيئة المتشنجة بين أميركا وإيران وبين طهران والإقليم تعني مرحلة استمرار شد الحبال بين الأطراف وإطالة مبارزة الشطرنج. فلا أميركا مستعجلة للتنازل لإيران، ولا طهران على عجلة لإبطاء برنامجها النووي. فهي تنظر إلى باكستان وكوريا الشمالية كنموذجين للقوة التفاوضية مع رأس نووي. هذا لا يعني أن طهران حسمت أمرها بامتلاك سلاح أو أن اسرائيل لن تتدخل لوقف ذلك، إنما الصورة الإقليمية والنووية لا تدعوها للعجلة.
إقليميا، إيران تمضي باستراتيجية التوسع الميليشيوي وما من مؤشر إلى أنها بصدد التنازل في اليمن أو غيره، وعليه فالمواجهة بين المعسكرات الإقليمية والرؤى المتناقضة إقليميا مستمر لا بل ستشتد سخونته عشية انتخابات بغداد وبيروت.
أما بايدن فهو حول أنظاره شرقا لاحتواء الصين وإعادة ترتيب القواعد العسكرية الأميركية. طبعا، إيران نووية ليست في مصلحة الولايات المتحدة وقد تجر إلى سباق نووي إقليمي، إنما هي ليست سببا كافيا اليوم لجر بايدن لتقديم تنازلات كبيرة لطهران والاستثمار في منطقة قد تؤذيه انتخابيا وتضعف يده دوليا.