Skip to main content

احتكار شيعة إيران للسلطة في العراق

ثورة تشرين
AvaToday caption
بعد أكثر من خمسة عشر عاما على حكم الطبقة السياسية الفاسدة مهما تفننت في تجديد نغماتها، التي أضيفت إليها نغمة الإرهاب التي انكشفت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بفضل تصدي أبناء الوسط والجنوب العراقي بثورتهم البيضاء
posted onSeptember 16, 2021
nocomment

د. ماجد السامرائي

التاريخ الإنساني فيه الكثير من الحلقات الصادمة في عشق السلطة السياسية ودكتاتوريتها، المثال الأكثر تذكيرا وبشاعة بينها سلطة نيرون حاكم روما في العقد الأول الميلادي حين وصل إلى حد استبدال روح والدته فقتلها من أجل استمراره بالسلطة ثم انتحر في النهاية.

واحدة من حلقات مآسي التشبث بالسلطة في عالمنا العربي والإسلامي ما حصل من جدل فقهي وسياسي في زعامة السلطة السياسية بعد أن سلّمها الإمام الحسن بن علي إلى معاوية شرط عدم تخليف ابنه يزيد، مما أوقع الحسين شهيدا مظلوما في ملابسات أدخلت العراقيين، خاصة في فواصل استثمار تلك الواقعة الحزينة وتحويلها إلى منهج فقهي وسياسي في مراحل لاحقة، لم تضعها شعوب بلاد العرب والمسلمين في أجنداتها السياسية ما عدا ورثة التشيّع في العراق، ليصبح التطرّف المذهبي والسياسي عنوان الأحزاب التي تبارك وتدعم فكرة الاستنجاد “بالمُستكبر العالمي” من أجل الوصول إلى السلطة.

هذه النظرية تقترب في بعض وجوهها من نظرية مكيافيللي “الغاية تبرر الوسيلة” لتبرير الاستبداد السياسي والطغيان والعنف الطائفي لاحتكار السلطة واستمرارها رغم فشلها، وتمتزج بفكرة استثمار الدين والمذهب كظهير وسند للسرقة والفساد في الاستحواذ على المال العام.

هكذا بدأت الأحزاب الشيعية، بعد أن تسلمت السلطة في بغداد بشكل رخيص ومبتذل من قبل المحتل الأميركي عام 2003، تنفخ هواء فاسدا في قربة مقطوعة، وتسطر بطولات لجيش المجاهدين ضد نظام صدام باعتباره “نظاما بعثيا كافرا”، لتلتفّ من حولهم مجاميع المنتفعين في مظاهر رخيصة أدت إلى المبالغة والتطرف في معاداة أبناء العراق من خارج الطائفة الشيعية، والتي استمرت إلى حدّ اليوم. ليتحولوا في ما بعد إلى جيوش من المرتزقة تحت عنوان الولاء للولي الفقيه من خارج حدود الوطن.

لا يستغرب المواطن العراقي من خارج موالي الأحزاب اختراع هؤلاء مختلف أنواع القوانين لتقديم الرواتب والعطايا لجيوش “الجهاد ضد النظام الصدامي”، فيما يحرم المواطن من حقوقه التقاعدية التي يفترض قانونا أن تعود إليه بعد أن ادخرت الدولة أمواله خلال سنوات خدمته في صندوق التقاعد. فشرط التمتع بالحقوق العامة والامتيازات في نظام هذه الأحزاب ليس المواطنة إنما الطاعة والولاء.

لم يعد أي مواطن عراقي يستمع إلى أسطوانة استبداد النظام السابق ودكتاتوريته، بعد أكثر من خمسة عشر عاما على حكم الطبقة السياسية الفاسدة مهما تفننت في تجديد نغماتها، التي أضيفت إليها نغمة الإرهاب التي انكشفت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بفضل تصدي أبناء الوسط والجنوب العراقي بثورتهم البيضاء، حيث قدموا كشفا واقعيا لمسلسل الحرمان والظلم الجماعي والرّد الإجرامي بالقتل والاعتقال والخطف.

قد تُقبل من قادة الأحزاب تبريرات وجود أخطاء جزئية في التنفيذ والإنجاز، لكن وفق أي من المعايير تبرر حالات الفساد الجمعي والنهب العام بسرقة أموال شعب العراق بالمليارات، وأن يتحول الفساد إلى نمط من أنماط التفاخر بعد وضع العراق في خانة أسوأ الدول في الفساد وفق منظمة الشفافية الدولية، وأن يصبح القتل وسيلة الردّ على المعارضة السلمية.

اليوم، لم تعد فكرة تقديم الاعتذارات الإعلامية شغّالة في تسويق الوهم لانتخابات 2021 من قبل أكثر المتشددين السياسيين الشيعة الذين حكموا البلاد منذ عام 2006. أطروحة الاعتذارات التي أعلنها مثلا كل من نوري المالكي وهادي العامري سابقا تحولت اليوم مقولة “ما ننطيها” أي لا نعطي السلطة التي أطلقها المالكي إلى نشاطه من أجل العودة إلى ولاية ثالثة. وعبارة شبيهة أطلقها الزعيم الشيعي العامري أخيرا في ملتقى الرافدين “هاي دولتنا احنا نبنيها ولا أحد يسابقنا في ذلك”. يقال إنه يسعى أيضا لرئاسة الحكومة.

التطور المهم الذي أفرزته ثورة تشرين 2019، رغم كل ما يقال عند الحريصين على دعمها ومساندتها من سلبيات الانقسام بين مؤيدين للانتخابات هو تمزّق الغطاء الشيعي لهذه الانتخابات. مثلا أحد مرشحي ثورة أكتوبر يتم حرق بيته، وآخرون يواجهون مخاطر أمنية لا يترددون من الإعلان عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، إلى الرافضين الداعين إلى مقاطعتها. الخطر المقبل هو فقدان هذه الأحزاب لغطائها الشعبي حتى وإن حصلت على بطاقة الفوز الانتخابي.

الفقرة الفنية المتعلقة بالفعالية الانتخابية هي عدم وجود مشروع انتخابي سياسي يمكن أن تقدمه الأحزاب الشيعية لتكسب من خلاله جمهور الصندوق الانتخابي في العاشر من أكتوبر المقبل. لم تعد شعارات الإصلاح مقنعة لأن قادة هذه الأحزاب، وبعضهم تولى السلطة التنفيذية، يتحملون مسؤولية رئيسة في تعاظم الفساد.

هؤلاء هم حكام العراق الذين لا يترددون في تسويق أنفسهم للترشيح مجددا رغم الواقع الصادم. فهم مثلا يقدمون أنفسهم أمام العالم شواهد المأساة والألم على ضفاف ركام مدينة الموصل التي سُلّمت لداعش من قبل واحد منهم، ومازالت جثث المدنيين تحت أنقاضها رغم مرور أربع سنوات على نهاية الحرب. رغم ذلك يزورها الرئيس الفرنسي ماكرون لكي يحصل على مكافأة، 27 مليار دولار هي قيمة اتفاقية شركة توتال.

المشهد المأساوي الآخر يقع على ضفاف شط العرب في مدينة البصرة عاصمة النفط المدينة الأغنى في العالم، حيث وصلت نسبة الفقر بين أهلها إلى 40 في المئة، حسب تقرير صادر عن مفوضية حقوق الإنسان العراقية مؤخرا. فيما أعلن وزير التخطيط العراقي ارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى 31.7 في المئة خلال العام الماضي، بعد أن أضيف مليون ونصف مليون عراقي إلى مجموع العراقيين الفقراء البالغ 10 ملايين شخص.

لا يجوز للعراقيين وفق “بُناة الميليشيات” وداعمي مشاريعها في القتل والتدمير والتغيير الديموغرافي، أن يعلنوا انتقادهم لهم لأنهم بذلك يمسون “مقدسات تحريرهم للعراق من الاحتلال الداعشي”. أليست إيران هي صاحبة الفضل الأول في ذلك التحرير إلى جانب وكلائها؟ لهذا السبب سيدخل هؤلاء الشجعان إلى ساحة البرلمان بعد خلعهم للبدلات “الخاكية” مؤقتا. هكذا يتم التسويق الإعلامي الشيعي الموالي لإيران.

الآن تسير الخطوات العملية التنفيذية لمبدأ تدوير السلطة بأشكال جديدة عنوانها وصول “الحشد الولائي إلى السلطة البرلمانية” وقد يتخطون من خلال ذلك القيادات التقليدية، لأن المرحلة المقبلة هي مرحلة بناء رديف الحرس الثوري الإيراني في العراق.

الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد أصبحت شعارات مستهلكة عند هذه الأحزاب، قد يطلقها أنصار مقتدى الصدر فقط خلال هذه الأيام، لكن واقع الحال يقول إن تقاسم السلطة بين الأحزاب والميليشيات الشيعية مجددا قد أنجز، إلى جانب إبقاء طاحونة تنافس زعامات سنة إيران مستمرة لحين فوز أحد القطبين الخنجري أو الحلبوسي. أما الشغل على منصب رئيس الوزراء فمازال تحت دائرة الاختيار المتفرّد الإيراني بدعم أميركي – بريطاني، وزيارة مصطفى الكاظمي لطهران تقع في خانة التسويق لنفسه أمام أولياء الأمر بالمزيد من التنازلات.