روايةَ "يا مالكاً قلبي" للكاتبةِ اليمنيةِ المقيمةِ في بلاد المهجرِ الروائية سهير علوي والصادرةِ عن مؤسسةِ أبجد للترجمةِ والنشرِ والتوزيعِ، روايةً رومانسيةً متمردةً ذات بعد فكري وفقَ رؤيةٍ تؤمن بالحبِ وتنتصرُ له في زمن ماديٍّ كذوب.
وتسرد أحداثُ الروايةِ قصة فتاة شيعية تحب شاباً يمنياً اسمه "عمر" يدرسُ في تركيا بعد محاوراتٍ عدةٍ؛ انتهت بشغفِ الفتاةِ وتعلقها بحبِ "عمر" مع أنَّ مجرد الاسم "عمر" كفيلٌ برفضِ هذهِ العلاقةِ وامتناعِ عائلةِ "سارة" ذات الامتدادِ الشيعيِّ عن القبولِ بها؛ لكن "سارة" تنتصرُ لحبها وتقررُ السفرَ إلى تركيا وهناكَ يتمُّ عقدُ قرانهما ويُقيمانِ فترةً من الزمنِ في كوخٍ عتيقٍ ثمَّ يُقَرِرَا السفرَ إلى اليمنِ في توقيتٍ سيء أبرزُ عناوينهِ الحربُ والعدائيةِ الأمر الذي أدى إلى عدمِ قبولِ أم عمر وأختُهُ بـ "سارة / الشيعيةِ" والتعامل معها بعنصريةٍ مقيتةٍ.
يؤكدُ خطابُ رواية "يا مالكاً قلبي" أن دينَ الحب الحقيقي أصدقُ وأقوى من كل الديانات والمذاهب الدينيةِ التى تقزمُ وجودَ الإنسانِ وتقفزُ على حقوقهِ ومظاهرِ حريتهِ وإرادته.
كما أن خطاب الرواية يؤكدُ على ضرورةَ تحلي المرأة بالشَّجاعةِ والإصرارِ وروح الإقدام والمغامرة في سبيلِ تحطيمِ كل القيودِ الوهميةِ المفروضة عليها سواءً أكانت قيوداً "اجتماعيةً" أم "دينية" وتعضيدِ ذلك بوعي مختلفٍ تعرفُ من خلالهِ المرأة ما تريدُ في سبيل اكتشافِ الذاتِ والتأكيدِ على حقها الطبيعي في الحياة.
تقوم "سارة" بمغامرتينِ في طريقِ العشقِ تفلحُ مغامرتها الأولى في اكتشافِ الذاتِ وفي المغامرةِ الثانيةِ "التخلي عن المحبوبِ" تستعيدُ الحبَ وتحافظُ عليهِ ولا تخسرُ في الآن ذاته روحها.
وتتولى الروايةُ التجاربَ النفسيةَ العميقةِ كالحبِ والحقدِ والكراهيةِ والتضحيةِ وتعالجُ القضايا الاجتماعيةِ كالظلمِ والفقرِ وما إليهما كإحدى المظاهر الطبيعيةِ؛ محلِّلَةً العناصرَ التي تتألفُ منها في معادلةٍ واضحةٍ محددةِ تُعيدُ للفتاةِ اعتبارَها وكينونتها المستقلةِ.
إذن لا يتجلى "الحبُّ" في رواية "يا مالكاً قلبي" مجرد نزوة عابرة أو مراهقةٍ طائشةٍ؛ بل هو سبب ونتيجة يكفيانِ للتمردِ على كلِّ الأنساقِ "الفكريةِ والاجتماعية والدينيةِ" في رحلةِ النحتِ في الذاتِ، والبحث عنها في دروبِ الحياةِ المظلمةِ المحاطةِ بإرثِ. الكراهيةِ الإيديولوجيةِ وقيودِ الطائفيةِ البغيضةِ.
الأحداثُ هي قوام رواية "يا مالكاً قلبي" وهي أحداثٌ تدفع القارئ إلى الاعتقاد بأن ما يعرض عليه قد جرى بالفعل الحقيقي، أو على الأقل؛ يمكن أن يجري فيه؛ أي أنها أحداثُ نسجت للتوحيد بين مسرح الفن ومسرح الحياة؛ وقد تتابعت في الرواية باعِثةً الحركة والتطور والتشويق؛ تُسيِّر مصائرُ الأشخاص وتَتسيَّرُ بها، تقترب من نفس الكاتب، وتبتعدُ عنها لأنها تحدثُ وتجري في نفوس الآخرين - كذلك - من خلالِ أقوَالِهم وأفعالِهم وفي تنازُعهِم مع الحياة.
ومن المؤكدِ أنهُ قد تمَّ انتقاءُ الأحداثِ انتقاءً فكرياً رافضاً للطائفيةِ ومُتمرداً على موانعِ المذاهبيةِ المقيتةِ ويدعِمُ ذلكَ انتقاء اسم "عمر" وإطلاقِهِ على الشخصيةِ الأساسيةِ كتأكيدٍ على الموقفِ الفكري الرافضِ للطَّائِفيةِ والعِدائيةِ الشِّيعِيةِ الحاقدةِ على "عمر" ثمَّ يأتي انتقاءُ الأحداثِ حدسياً يقتضي "الانتماءُ إلى المحبوبِ ثمَّ التخلي عنه" عندَ الاستهانةِ بالحبِّ وبتضحياتِ الشَّريكِ؛ وهذا الانتقاءُ للأحداثِ يكشفُ لنا حالةً جديدةً أو وجهً من وجوهِ التطورِ في الأزمة التي توثقُ أشخاص الرواية بعضهم ببعض؛ لِنجدَ أنَّ انتقاءَ الأحداثِ منها ما يتصلُ من جهةٍ بالحقيقةِ الواقعيةِ ويرتبط في الآن ذاته من جهةٍ ثانيةٍ بمصائرِ الشخصياتِ المتحابكةِ في الروايةِ أي اختيار الأحداث التي وقعت بالفعل أو التي هي قابلةٌ للوقوعِ وعليهِ تصاعدتِ الأحداثُ في انسجَامِها وحسنِ تَوقِيعِها في الروايةِ مُتولِدةً من حركة داخلية في النفسِ وهوَ ما أضفى عليها معنى عميقاً أو معانيَ متعددةً وأبعاداً خاصة.
والحبكة الروائية في روايةِ "يا مالكاً قلبي" هي أشبه بشبكةٍ عامةٍ تتداخل أحداثُ الروايةِ من ضمنها وتتنامى وتوقَّعُ وفقاً للحظةِ النفسيةِ المؤاتيةِ وللسببيةِ الروائيةِ اللتينِ تنظمُانِ الأحداثَ وتضبطَانِ تحركاتِ الشخصياتِ بما يعزز تماسكَ الحبكةِ وترابطَ أجزائها بشدة.
قامت الكاتبةُ بتوجيهِ "الشخصيةِ الرئيسيةِ / سارة" في إتجاهٍ واحدٍ، ثابتٍ، لا تلتوي فيها الخطوط النفسية ولا تعوجُّ ولا تتناقضُ عبره الحالات النفسيةُ وبذلكَ فقد تجلتِ الشخصيةُ الرئيسيةُ؛ شخصيةً ثابتةً تمثلُ فكرةً واحدةً في صراعها مع سائرِ الأفكارِ المتجسدةِ في أشخاصٍ آخرين وهي بالمناسبةِ شخصيةٌ تمثلُ الحبَّ في ذروة عطائهِ وتضحياتهِ، ويمكن اعتبارها العنصر المهيمن على أجزاءِ الروايةِ كلها.
وأمَّا بالنسبةِ للشخصيةِ الأساسيةِ "عمر" فتبدو شخصيةً ناميةً معقَّدةً، تتشابكُ فيها الأفكارُ وتتناقضُ؛ تحيا جنباً إلى جنبٍ بضراوةٍ وتمزقٍ وتناحرٍ، لكنها تتطورُ فيما بعدُ تطوراً إيجابياً يدفعها للاستجابةِ لمؤثرِ الحبِّ المختلفِ والمحافظةِ على الحياةِ التي يريدها وعدم الارتِضاءِ بالحياةِ التي يريدها الآخرونَ له.
الشخصيات الثانويةُ تظهرُ في المتنِ الروائي وكأنها جزءٌ من العالمِ الذي تتجولُ فيهِ الشخصيةُ الرئيسيةُ، ولذلكَ فهي تدورُ في فلكِ الشخصيةِ الرئيسيةِ تتكاملُ شخصيتهم في الروايةِ لشدةِ لصوقهم بمصيرِ "سارة" فترتفع أقدارهم وتعظمُ أهميتهم بينَ الحينِ والآخرِ، لأنهم يغدونَ طرفاً قوياً من أطرافِ النزاعِ في الأزمةِ الروائيةِ.
عبدالرقيب مرزاح ، ناقد من اليمن