بعد إهمال تجاوز ثلاثة عقود، منذ نهاية الحرب العراقية - الإيرانية في أغسطس (آب) 1988، قرر العراق إعادة الحياة إلى المدن والقصبات الواقعة قرب الشريط الحدودي مع إيران، الذي يمتد إلى نحو 1430 كلم، بدءاً من مدينة البصرة حتى قمم جبلية عند مدينة السليمانية في إقليم كوردستان العراق.
وتعرّض هذا الشريط الحدودي الذي يضم عشرات القرى والقصبات والأقضية والنواحي لتدمير شامل خلال الحرب العراقية - الإيرانية (1980- 1988)، بعدما تحول إلى ساحة للمواجهة بين الطرفين، وأصبحت المناطق الواقعة ضمن الأراضي العراقية ثكنات عسكرية وأحيطت بحقول الألغام، ما دفع الآلاف من سكانها إلى هجرتها وعدم العودة إليها حتى الآن لعدم توافر مقومات الحياة فيها.
وأعلنت وزارة التخطيط العراقية عن خطة متكاملة لإعادة إعمار الشريط الحدودي مع إيران، يتضمن تأهيل مدنه وقصباته واستحداث وحدات إدارية جديدة فيه وإعادة أخرى ألغاها نظام صدام حسين خلال فترة الحرب.
ويقول المتحدث الرسمي باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي إن الوزير خالد بتال النجم وافق على دراسة تتضمن تحديد الإجراءات والخطوات المطلوبة لتحقيق خطة إعمار الشريط الحدودي.
ويضيف أن هناك عدداً من الأقضية والنواحي جرى إلغاؤها أو تنزيل درجتها الإدارية عام 1989، من بينها قضاء مندلي في محافظة ديالى، وناحية الشهابي في محافظة واسط، وناحية الطيب في محافظة ميسان، ونواحي السويب والبعاجي والسيبة في محافظة البصرة، مبيّناً أن "هذا الأمر تسبب في تدهور الأوضاع العمرانية في مناطق الشريط الحدودي، بالتزامن مع الأضرار الكبيرة التي حلّت بها نتيجة الحروب التي أدّت إلى نزوح سكانها".
ويرى عضو لجنة الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم النيابية محمود الكعبي ضرورة توفير الخدمات الأساسية للمناطق التي يُراد إحياؤها، لا سيما في الجنوب.
ويوضح أن "هناك بعض النواحي في الشريط الحدودي يحتوي على مقومات الحياة ويضم تجمعات سكنية ومستشفيات ومدارس، مثل مندلي في ديالى والشهابي في واسط، بينما هناك نواحٍ أخرى أصبحت أراضي قاحلة ولا يسكنها سوى قلة من المزارعين ورعاة الماشية، خصوصاً في المناطق الجنوبية".
ويشير الكعبي إلى أن "إحياء تلك النواحي والقرى هي فكرة جيدة وسندعم في مجلس النواب المشروع بشرط توفير سبل الحياة لتلك المناطق من مستشفيات ومدارس وطرق من أجل عودة السكان إليها"، لافتاً إلى أن تلك المناطق شهدت هجرة كبيرة لغياب المستلزمات الأساسية وفرص العمل.
ويؤكد أن تلك المناطق تحتاج إلى مبالغ ليست كبيرة بهدف إعمارها، وفي الإمكان تأهيلها خلال سنتين، مبيّناً أن الألغام الموجودة في تلك المناطق الحدودية أزالتها الشركات النفطية العاملة بالقرب من بعضها.
ويؤكد النائب السابق عن محافظة البصرة وائل عبد اللطيف أهمية تشكيل لجنة تتولّى عملية الكشف عن الأضرار التي لحقت بالقرى الحدودية مع إيران، لتقدير حجم المبالغ التي ستُخصص لإعمارها، فيما يدعو إلى ضرورة استحداث محافظة جديدة.
ويضيف عبد اللطيف، وهو وزير سابق، أن "هناك ضرراً كبيراً تعرّضت له القرى الحدودية مع إيران إبان الحرب، خصوصاً بساتين النخيل التي جُرفت بمسافة تقدّر بنحو 80 كلم على طول الشريط الحدودي، حيث كانت تضم 450 نوعاً من التمور، فضلاً عن مزارع الرز والخضر".
ويشرح عبد اللطيف أن أضرار المساكن والبنى التحتية كانت كبيرة نتيجة القصف المدفعي الإيراني الذي وصل إلى مناطق بعيدة من الحدود، حيث كان الدمار واضحاً في نواحي الصالحية والتنومة والسويب التي تحتاج إلى حملة إعمار واسعة وبناء مدارس ومستشفيات.
ويؤكد أن إعمار ما جرى بعد الحرب في القرى الحدودية كان طفيفاً، مشدداً على ضرورة تشكيل لجنة حكومية تتولّى عملية تقدير المبالغ لإعمار تلك المناطق، لا سيما أنها مناطق فقيرة وبحاجة إلى كثير من الخدمات.
ويدعو إلى استحداث محافظة تُشكَّل من الأقضية والنواحي شمال البصرة وبعض أقضية جنوب الناصرية، لا سيما أن بعض أقضية البصرة مثل قضاء الزبير الذي يبلغ عدد سكانه مليون شخص، مبيّناً أن هذه الخطوة يمكن أن تسهّل تخصيص مبالغ للقيام بحملة إعمار واسعة.
وليس ببعيد من النواحي والمدن الواقعة في الشريط الحدودي بين العراق وإيران، تراجعت الحيوية في ناحية الشهابي (نحو 13 كلم عن الحدود العراقية الإيرانية) بعدما كانت مدينة عامرة بالحياة والخدمات، فأصبحت عبارة عن أطلال وأبنية مدمرة.
ويذكر الصحافي الواسطي جبار بجاي أن "ناحية الشهابي عانت كثيراً خلال حرب الثمانينيات، وباتت عبارة عن مجموعة معسكرات لقطعات الجيش العراقي، نظراً إلى قربها من الحدود الإيرانية، ما أدى إلى نزوح الأهالي منها".
ويوضح أن "خمسة آلاف شخص كانوا قبل الحرب يقيمون في الناحية التي تضم أكثر من 16 قرية، فيما غالبية سكانها من المزارعين، وكانت مزودة بالخدمات وتتبع إدارياً إلى قضاء الكوت، مركز محافظة واسط، وتبعد عنه نحو (65 كلم)"، مضيفاً أن الناحية حالياً عبارة عن أطلال وبنايات خربة ومهجورة، باستثناء بعض القرى الصغيرة مثل قرية كنجيكة التي تضم أقل من 30 منزلاً، بعدما كانت تتألف من مئة.
ويلفت بجاي إلى أن "الحكومة المحلية نفّذت خلال السنوات الماضية مجموعة من الأعمال والمشاريع الخدمية، أهمها إعادة فتح وتعديل الطريق المؤدي إليها ويربطها بالطريق العام، وأعدّت لها تصاميم إلا أن الضائقة المالية التي عانت منها البلاد أوقفت العمل".
ويتحدث بجاي عن "خطوات جادة اتخذتها محافظة واسط لاستحداث منفذ جديد مع إيران في منطقة الشهابي، تحت مسمّى منفذ الشهابي، مع وجود رغبة كبيرة لدى الجانب الإيراني في فتحه للتخفيف عن منفذ زرباطية الذي يُعدّ أهم الممرات الحدودية مع إيران في مجالَي التبادل التجاري ودخول الأشخاص".
وبالانتقال إلى شرق العراق، فإن ناحية مندلي التابعة لمحافظة ديالى التي تبعد 160 كلم عن العاصمة بغداد، تعّرضت لتدمير واسع وأُلغيت كقضاء، إذ كانت مسرحاً للمعارك بين القوات العراقية والإيرانية، ولا تزال آثار الحرب ماثلة في القضاء الملغى عبر نصب شُيِّد في أيام حكم نظام صدام حسين باسم "عروس مندلي"، يحكي قصة حقيقية لامرأة قُتلت في ملابس عرسها أثناء قصف إيراني على المنطقة.
ويقول الناشط في ناحية مندلي عمر عبد الجبار إنه من الضروري تخصيص موازنة استثنائية لمندلي بسبب الخراب التي تعرّضت له خلال سنوات الحرب، إضافة إلى الإهمال الذي أعقبها.
ويضيف أن "أهالي المنطقة تكفّلوا بإعمارها، إضافة إلى أصحاب رؤوس الأموال من أهالي الناحية من خلال استحداث مناطق حضرية جديدة".
ويشدد على ضرورة ترميم البنية التحتية، من أجل عودة سكانها، لافتاً إلى أن لجنة حكومية زارت الناحية لتقييم الأوضاع وإعطاء تقديرات لعدد سكانها.
وكان مجلس النواب العراقي قد أتم عام 2019 القراءة الأولى لمشروع قانون لتحويل ناحية مندلي إلى قضاء، إلا أنه لم يأخذ طريقه للتشريع، وفي حال تحوّلت إلى قضاء، ستتم زيادة مخصصاتها المالية.