Skip to main content

البابا وخامنئي والمؤامرة الأميركية

البابا فرانسيس
AvaToday caption
خامنئي رجل سياسة يستعمل الدين في تطويع الجمهور من أجل القبول بمشروعه السياسي. وهو مشروع يمتزج من خلاله الديني المذهبي الغيبي بالعملي المبرمج القائم على المصلحة. لذلك فإن شخصا كالبابا لا يصلح للقاء به
posted onMarch 14, 2021
nocomment

فاروق يوسف

كانت لدى خامنئي وجهة نظر مرحة بزيارة البابا للعراق لم يرغب في الافصاح عنها حين كان الرجل يؤدي حجته.

فعل الزعيم الإيراني حسنا حين لاذ بالصمت يومها ولم يحرج أتباعه في الدولة العراقية الذين لن يفهموا حس الدعابة الذي انطوت عليه وجهة النظر تلك. فبالنسبة لأولئك الأتباع لا يمكن الفصل بين اراء خامنئي العابرة وشخصية الولي الفقيه الذي تؤخذ أقواله أوامر مقدسة لا تقبل المناقشة ولا التأويل.

لقد تبين أن خامنئي كان مستاء من تلك الزيارة كون أحدا لم يستشره في موضوعها. ولو كان البابا فرانسيس يعرف أن هناك شرطا من ذلك النوع لزيارته سيُغضب عدم تنفيذه الزعيم الإيراني لما قام بتلك الزيارة حفاظا منه على السلم الأهلي الهش في العراق.

هل كان خامنئي يرغب في أن يلتقيه البابا قبل الذهاب إلى لقاء السيستاني؟ من المؤكد أن مرشد الجمهورية الإسلامية قد اعتبر قيام البابا بوضعه اللقاء بالسيستاني في المقدمة من فقرات زيارته اهانة وجهت إليه شخصيا بشكل خاص وإلى المذهب بشكل عام.

هناك خلافات داخل المذهب لم يعرها البابا انتباها وهو حين التقى السيستاني لم يلتقه باعتباره شخصا إيراني الجنسية بل التقاه باعتباره مرجعا دينيا يمتلك قدرا من الهيبة لدى العراقيين بغض النظر عن مذاهبهم.

كما أن البابا ذهب إلى العراق كونه دولة مستقلة ذات سيادة ولم يذهب إليه باعتباره محافظة إيرانية. ذهب إلى هناك ليكون قريبا من العراقيين ويشجعهم على البحث عن طرق خلاصهم بمعزل عن القوى الأجنبية.

كان البابا فرانسيس واضحا في ما قرر القيام به.

مشكلة خامنئي أنه يملك سيطرة مذهبية على عدد من الميليشيات وهي التي يطلق عليها العراقيون الميليشيات الولائية. ولأن تلك الميليشيات تتصرف بشكل أعمى حين تصدر لها أوامر من خامنئي فقد كان متوقعا منها أن تتصرف بشكل طائش ومتهور أثناء زيارة البابا. غير أن التعليمات الإيرانية كانت صارمة وهو أمر تشكر عليه إيران

ولكن تلك المشكلة لا تقع ضمن اهتمامات البابا. ما لا يفهمه خامنئي كونه رجل حرب أن البابا ذهب إلى العراق مدفوعا بوازع إنساني تنبعث منه الرغبة في إحلال السلام في بلد دمرته الحروب.

فزعيم الكاثوليك يعرف أن جاليته الروحية في العراق قد تعرضت لشتى أنواع الفتك والهلاك ويعرف أن المسيحيين وهم أكثر الناس حبا وتعلقا بأرض العراق قد غادروا بيوتهم إلى دول اللجوء مضطرين بعد أن حاربهم الجميع من غير استثناء كما لو أنهم فئة طارئة.

لقد أتى إلى بلد طرد أكثر من مليون مسيحي في وقت قياسي. غير أنه كان يعرف ما العراق وما مشكلته ويعرف كيف كان العراق وما الذي جرى له ويعرف أخيرا أن رسالته في السلام لا تستثني أحدا. فالهداية ممكنة بالنسبة لرجل دين من نوعه إلى آخر نفس يلفظه الإنسان.

إذا كان خامنئي قد اعتبر البابا ندا له فهو على خطأ.

فالبابا زعيم دولة غير أنه لا يعمل في السياسة ولا يتدخل في شؤون المسيحيين السياسية وهم أكثر من مليار إنسان. لذلك فإنه لا يعمل في المجال نفسه الذي يعمل فيه خامنئي.

خامنئي رجل سياسة يستعمل الدين في تطويع الجمهور من أجل القبول بمشروعه السياسي. وهو مشروع يمتزج من خلاله الديني المذهبي الغيبي بالعملي المبرمج القائم على المصلحة. لذلك فإن شخصا كالبابا لا يصلح للقاء به. فهو ليس الشخص المناسب الذي سيُتعب البابا نفسه من أجل لقائه.

لو أن البابا زار العراق ولم يلتق السيستاني لكان وقع الزيارة أقل تأثيرا على خامنئي ولما كانت الزيارة واحدة من المؤامرات الأميركية التي تحاك ضد الثورة الإيرانية.

كان البابا إذاً من وجهة نظر خامنئي متآمرا.

وهكذا يلقي زعيم الجمهورية الإسلامية واحدة من أكثر نكاته سماجة وغباء. وهو إذ يفعل ذلك فليس لأنه على يقين من أن ما يقوله يستند على شيء من الحقيقة بل لأنه يسعى إلى التذكير بوجوده هدفا للأميركان الذين كان البابا ممثلهم في العراق.

لعبة مضحكة وغبية يحاول خامنئي من خلالها تلميع صورته لدى العراقيين البسطاء الذين خاطبهم البابا بلغة الروح والعقل البعيدة عن المصالح السياسية. لقد ذهب البابا إلى اور التي ولد فيها النبي ابراهيم حسب الحكاية الدينية وأقام قداسا هناك وهو يعرف أنه لم يبق في الناصرية سوى عائلة مسيحية واحدة. ذلك ما يعجز عن القيام به رجل دين طائفي مثل خامنئي.

انتصر البابا فرانسيس بسلامه فيما خسر خامنئي بحروبه.