Skip to main content

"رادود" الممانعة

صورة سليماني في لبنان
AvaToday caption
لبنان في أضعف أيامه بسبب سلاح المقاومة، ولبنان عاجز عن حماية مواطنيه في منازلهم، بسبب سلاح المقاومة، ولبنان لن يتمكن من الوصول إلى نفطه وغازه، بسبب سلاح المقاومة
posted onJanuary 7, 2021
nocomment

حازم الأمين

في كلمته في الذكرى السنوية الأولى لمقتل الجنرال قاسم سليماني، عدد أمين عام حزب الله حسن نصرالله مكامن "قوة" لبنان، وأعادها إلى "المقاومة وسلاحها". قال إن لبنان قوي بسبب هذا السلاح وتمكن عبر هذا السلاح من حماية نفسه، وأنه ما كان ممكناً أن يصل إلى نفطه وغازه من دون سلاح المقاومة.

والحال أن كلام نصرالله لم يثر ذهولاً إلا في أوساط خصومه ممن اعتادوا واعتدنا على ذهولهم في كل إطلالة لخصمهم. لكن لماذا لم يؤد كلام نصرالله إلى صدع في علاقته مع جمهوره؟ ذاك أنه انطوى على استخفاف فعلي بذكاء مستقبليه! أين يمكن أن نعثر على أثرٍ لـ"قوة لبنان"؟ وأين تمكن لبنان من حماية نفسه؟ وهل صحيح أنه سيتمكن من أن يصل إلى نفطه وغازه في ظل الفساد والمحاصصة اللذين يحميهما سلاح المقاومة؟

نصرالله تحول إلى "رادود" يستعين في أراجيزه الخطابية بمخزون صار فعلاً مادة بالية ولا تقنع طفلاً، لكن لكلامه صدى يجب البحث عن أسبابه. فالرجل أكثر شخصية في لبنان وربما في الإقليم يعتمد عليها خطاب "الممانعة والمواجهة" لصياغة لغة "المحور"!

لبنان في أضعف أيامه بسبب سلاح المقاومة، ولبنان عاجز عن حماية مواطنيه في منازلهم، بسبب سلاح المقاومة، ولبنان لن يتمكن من الوصول إلى نفطه وغازه، بسبب سلاح المقاومة. بإمكان نصرالله أن يقلب الحقائق، ولن يجد من يحد من ميله هذا، ذاك أنه يخاطب وعياً يعيش انفصالاً ونكراناً للواقع. صحيح أن مستقبلي الخطاب في تناقص، لكنه تناقص بطيء وليس بحجم المفارقة، فما يحد منه شقاق أقوى منه. من يطربهم كلام نصرالله يستعينون على خوائه بهذا الشقاق. وأن يسلموا بخوائه فهذا يعني خواء الفصام الذي رسمه لهم وما عادوا يجيدون شيئاً غيره.

في مقابل ما يعيشه أهل "المحور" من خواء، ثمة خواء موازٍ، هواء خواء أهل خصوم "المحور"، وهؤلاء فقدوا، جراء الذواء المأساوي لخطابهم، اسمهم وتعريفهم وصفاتهم. صاروا خصوم نصرالله، وخصوم "المحور". لا يملكون تعريفاً سياسياً سوى هذا التعريف، ولا يجيدون لغة ثالثة يقدموا عبرها أنفسهم. وهنا تماماً مكمن قوة خطاب الخواء الأصلي، ذاك أنه تمكن من تثبيت خصوم وهميين، وجعلهم أصناماً يسدد عليهم سهام خطبه، وهذه مهمة لا تتطلب عقلاً ولا رشداً ولا موازنة بين الممكن وغير الممكن. الخصوم يقولون إن لبنان مهدد بسبب سلاح المقاومة، فنرد عليهم بأن لبنان قوي بسبب سلاح المقاومة. لا حاجة للعقل هنا! غرائز الانقسام تكفي لتثبيت المعادلة. هذا ما يفسر تمسك نصرالله بخصومة، وتلويحه باصبعه في وجه من قال: "كلن يعني كلن"، وذلك حين ظهر من يريد المواجهة من خارج الشقاق ومن خارج الانقسام. فأن نجرد المعادلة الوهمية التي صاغها، والمتمثلة بأن لبنان "بلد قوي"، من خصومٍ مذهبيين وسياسيين، فهذا يعني بقاءها لوحدها في العراء في مواجهة حقيقة أنها لا تتعدى إرجوزة انقضى زمنها ولم تعد تقنع أحداً.

لكن على رغم السياق المنطقي الذي يجعل من مفاتحة اللبنانيين بأن بلدهم "قوياً" أمراً ممكناً في ظل الانقسام، يبقى أن جرأة استثنائية يحتاجها هذا القول. "لبنان قوي"! هذا استنتاج لا يستدرج ضحكاً وهزءاً، ذاك أن صاحبه قادر على تحريك أمم وشعوب! علينا إذاً أن نتجاوز الذهول إلى التأمل في أحوالنا. بعد انهيار مالي غير مسبوق، وانفجار هو الأكبر في التاريخ، وعجز عن تشكيل حكومة، وفشل هائل في مواجهة جائحة كورونا، جاء من يقول لنا أن بلدنا قوياً، ووجد قائل ذلك من يصفق له، ومن يهدد المتحفظين عليه.

وحين تجد هذه المعادلة المذهلة سياقاً "منطقياً" لها، فهذا يعني أن الناس لم تعد معنية بحجم الكارثة التي تُلم بها بقدر اكتراثها بما يمثله اعترافها بوقوع الكارثة من هزيمة للوجدان المذهبي. فهل يعقل أن يقول نصرالله غير الحقيقة، حتى لو قال أن لبنان قوياً؟ ربما كان بحوزته ما ليس بحوزتنا، وربما يعرف ما لا نعرفه عن "قوتنا"، وربما ما نشعر به ليس جوعاً، ولكن شُبه لنا!

الجوع على الأبواب يا سيد، وسلاحك لا يمكن أن يتحول خبزاً ودواءً، والنفط الذي تبشرنا به لن نستخرجه، في وقت باشر عدوك وعدونا في استخراجه بعد أن أكمل عملية تلقيح مواطنيه ضد وباء كورونا، فعن أي قوة تتحدث، وبأي نصر تبشرنا ونحن في ظل سلاحك عاجزون عن تشكيل حكومة تلملم من يمكن لملمته من فساد وفشل وهزائم.