تتدرّج حالة البرود التي تميّز علاقة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بمعسكر الموالاة لإيران من أحزاب وميليشيات شيعية نحو التحوّل إلى توتّر معلن، وذلك مع تواتر الانتقادات والتهم الموجّهة من قبل قياديين في ذلك المعسكر للكاظمي بسبب ما يعتبره هؤلاء سياسات تصبّ في مصلحة الولايات المتّحدة وأهدافها لاسيما الإبقاء على قوّاتها في العراق.
ولم يجد بعض الغاضبين من الكاظمي “أخطر” من تهمتي التواطؤ مع حزب البعث والضلوع في قتل قائد فيلق القدس الإيراني ومساعده الميداني في العراق أبومهدي المهندس للهجوم على رئيس الوزراء أملا في سحب شرعية حكومته.
واتهم عدي شعلان أبوالجون النائب عن كتلة بدر النيابية الممثلة للميليشيا التي يتزعّمها هادي العامري، رئيس الوزراء بضمّ بعثيَيْن إلى طاقمه الحكومي يشتبه في ضلوعهما في قتل سليماني والمهندس بغارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي في يناير الماضي.
وبعد سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين سنة 2003 وصعود الأحزاب الدينية إلى الحكم أصبح الانتماء إلى حزب البعث والعمل معه سابقا أو حتى مجرّد التعاطف معه، من أخطر التهم التي يمكن أن تواجه أي عراقي وتجعله موضع ملاحقة قضائية.
ومع مرور السنوات تحوّلت التهمة إلى أداة لتصفية الحسابات من مختلف الأنواع بما في ذلك السياسية والطائفية، وبدأت تفقد أهميتها شعبيا بعد أن وقف العراقيون على فساد النظام الجديد وفشله، وبدأ كثيرون منهم يقارنون بين ما كان عليه العراق قبل سنة 2003 وما آلت إليه أوضاعه بعدها من سوء على مختلف الصعد.
واحتدّت لهجة خطاب الفصائل الشيعية تجاه رئيس الوزراء بشكل لافت، بعد التقارب الأخير بين الكاظمي وسلطات إقليم كوردستان العراق والذي نتجت عنه تفاهمات أمنية أبرزها إخلاء قضاء سنجار من الميليشيات المسلّحة، لاسيما الحشد الشعبي، وإسناد عملية ضبط الأمن في القضاء الواقع غربي الموصل مركز محافظة نينوى للقوات الحكومية بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية في الإقليم.
ورأت ميليشيات الحشد أنّ القرار المتعلّق بسنجار يستهدفها مباشرة وأنّ الهدف منه إخلاء تلك المنطقة أمام القوات الأميركية التي تتجّه نحو الانسحاب من قواعد متفرّقة على الأراضي العراقية والتمركز بشمال العراق، لاسيما في إقليم كوردستان حيث ستحتاج إلى طريق مفتوحة باتّجاه الأراضي السورية وذلك لتأمين الربط مع القوات الأميركية الموجودة هناك.
وقال أبوالجون لموقع السومرية الإخباري الجمعة إن الكاظمي قام بتعيين شخصين في منصبين تنفيذيين لديهما ارتباطات بعثية، ويشتبه بتورطهما في عملية الاغتيال التي استهدفت قائد فيلق القدس الإيراني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي.
كما اتّهم ذات النائب رئيس الوزراء بالعمل على “تقوية النفوذ الأميركي والبعثي من جديد عبر زرع شخوص لديهم ارتباطات واضحة بالنظام السابق ولهم صلة بعمليات إرهابية وإجرامية قامت بها الإدارة الأميركية”.
وتخشى الميليشيات الشيعية في العراق من أن يُحدث الاتّفاق الذي تمّ التوصّل إليه مؤخّرا بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كوردستان بشأن الوضع الأمني والإداري في قضاء سنجار معقل الإيزيديين، سابقة في مجال بسط سيطرة القوات النظامية على مختلف مناطق العراق، لاسيما تلك الواقعة بشمال وغرب البلاد والتي خضع بعضها لسيطرة ميليشيات الحشد الشعبي بعد استعادته من تنظيم داعش في الحرب التي دارت ضدّه بمشاركة الحشد بين سنتي 2014 و2017.
وفي حال نجاح تجربة إخلاء سنجار من الجماعات المسلّحة، فإنّ أصوات المطالبة بإخراج قوات الحشد الشعبي من الأقضية والبلدات والمدن التي دخلتها أثناء الحرب على داعش سترتفع مجدّدا مدعومة بامتعاض الأهالي من سوء سلوك ميليشيات الحشد والعراقيل التي تضعها في طريق عودة النازحين إلى مواطنهم الأصلية.
ويمثّل السحب التدريجي للملف الأمني من أيدي الميليشيات جزءا من المعركة الأساسية لرئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي والمتمثّلة في ضبط فوضى السلاح، في إطار مساعيه لاستعادة هيبة الدولة العراقية كما وعد بذلك في العديد من المناسبات.
غير أنّه لم يجد المدخل المناسب لتنفيذ وعده بالنظر إلى قوّة الميليشيات الشيعية ذات الارتباط بأحزاب مشاركة في حكم البلاد وتحظى بعدم كبير وغطاء سياسي قوي من قبل إيران.
وقال أبوالجون إن الكاظمي قام بـ”تعيين شخصين عليهما مؤشرات أمنية لعملهما في جهاز المخابرات بالنظام السابق وعليهما شبهات التورط باغتيال المهندس”.
وأضاف “الشخص الأول كان والده يشغل منصب مدير دائرة الإقامة في جهاز المخابرات في زمن النظام المقبور (نظام صدّام حسين) وهو يشغل حاليا منصب مدير عام الإدارة والمالية إضافة إلى منصبه المتمثل بمدير المكتب الخاص للكاظمي في جهاز المخابرات، على اعتبار أنّ الكاظمي حتى اللحظة ما زال مشرفا على الجهاز”.
أمّا الشخصن الثاني وفق رواية النائب عن كتلة بدر فـ”كان يشغل منصبا مهما في جهاز المخابرات السابق حيث تم تعيينه مديرا عاما للمنافذ الحدودية”.
وتابع أن الشخصين من ضمن المتهمين باغتيال سليماني والمهندس، و”لا نجد أي تفسير منطقي لهذه التعيينات من قبل الكاظمي إلا رغبته في ضرب العملية السياسية بالعراق الجديد وإعادة البلاد إلى مربع الدكتاتورية والحقبة المظلمة من عمر العراق”.