Skip to main content

دولة العصابة.. بين ذيل الأفعى ورأسها

الميليشيات لم تبقى شيئا ولم يدمروها
AvaToday caption
أي معركة ضد دولة العصابة داخل العراق، سوف تعني حربا ضروسا، لا تتوفر لرئيس الوزراء "إذا رغب بها أصلا" ولا للشعب العراقي نفسه، القدرة على خوضها، وهي ستحوّل الفوضى القائمة إلى دمار أشمل من كل ما عرفه العراقيون من قبل
posted onAugust 25, 2020
nocomment

علي الصراف

لا قتلة هشام الهاشمي سيقوا إلى المحاكمة، ولا غيرهم من قتلة الناشطين في العراق سوف يُحاكمون، هذه المسألة، هي بحد ذاتها أحد أوجه الصراع بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي و"دولة العصابة" التي يقودها الولي الفقيه.

الاغتيالات رسائل، والرسائل تحمل عناوينها معها، إلا أن أحدا لن يجرؤ في دولة العصابة، على أن يحكم على أي أحد، وعلى الرغم من المئات، بل ربما الآلاف من الجرائم المماثلة، وجرائم الفساد التي طالت مئات المليارات من الدولارات، إلا أن دولة العصابة ما تزال متماسكة، وأركانها ما يزالون يترعون ويسرحون ويمرحون.

العصابة تؤمن بحقيقة أن رئيس الوزراء ليس هو الحاكم الفعلي، منصبه مجرد وظيفة إدارية، ذات طابع شكلي، أما السياسة والقرار فإنهما من صنع طرف آخر. هذا هو الحال في إيران نفسها أيضا، إذ لا توجد دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة، زعيم العصابة هو الحاكم الفعلي، والعصابة تنفذ أوامره، وما على "الدولة" إلا أن توفر المظاهر.

قد يريد الكاظمي شيئا، كأن يتصرف كرئيس وزراء حقيقي، ولكنه هو نفسه يعرف حدود قدراته، وهي أنه شخص، يقف على رأس مؤسسة يتحكم بأمرها شخص آخر. ومنذ العام 2003، فثمة أدوار يتعين أن يلعبها أي رئيس وزراء، في حدود ما يخدم مصالح دولة العصابة، بل وفي حدود ما يراه زعيم العصابة مناسبا.

دون ذلك، فان إسقاطه أو حتى قتله، لا يكلف شيئا، وفي أحد المسرحيات الممكنة، يخرج مقتدى الصدر ليحتج على عدم جلب المتهمين إلى القضاء مثلا، رغم أن جماعته هي التي تغطيهم ربما، فيطالب بإسقاط الحكومة، فتسقط، الصدر لعب هذا الدور نفسه أكثر من مرة، من ناحية ليقدم نفسه كبطل، ومن ناحية أخرى ليتغطى بعذر يبدو مشروعا.

لا ضرورة للتشكيك بالكاظمي نفسه، ولكن الحقائق تفرض نفسها في النهاية، وهي أن يديه مكبلتان، وأن العصابة هي التي تحكم، وعليه أن يمتثل لقيودها واشتراطاتها.

المعركة ضد دولة العصابة في العراق لن تخاض بنجاح، ما لم تسقط دولة العصابة الأم في طهران،

المسألة لا تتعلق فقط بحقيقة أن إيران تقدم ملاذا آمنا للمجرمين، ولكنها تمتد إلى أنهم يمارسون جرائمهم وهو يؤمنون بأنها تستجيب لمصالح زعيم العصابة، وفقط عندما تنهار مؤسسة الجريمة في إيران، فإن "المؤمنين" بالولي الفقيه، سوف يرون الجحيم الذي ذهب إليه، بعضهم سوف يزداد تمردا ووحشية، ولكن بعضهم الآخر سوف يُلقي السلاح مُكرها أو راغبا.

أي معركة ضد دولة العصابة داخل العراق، سوف تعني حربا ضروسا، لا تتوفر لرئيس الوزراء "إذا رغب بها أصلا" ولا للشعب العراقي نفسه، القدرة على خوضها، وهي ستحوّل الفوضى القائمة إلى دمار أشمل من كل ما عرفه العراقيون من قبل.

نعم، توجد قوات أمنية وأجهزة شرطة وجيش، تأتمر – نظريا – للقائد العام للقوات المسلحة، إلا أنها أجهزة مخترقة حتى النخاع، ومعظم قيادتها تخدم "الزعيم" إياه. كما لا تملك الولايات المتحدة أن تفعل شيئا، إنها مُحاصرة ومُكبلة وذلك بمقدار ما أن الكاظمي مُحاصر ومُكبل، ولهذا السبب فإنها تؤثر أن تضيف انسحابا بعد آخر، كلما اشتدت وطأة التهديد.

ولكن الولايات المتحدة تستطيع في المقابل أن تهدم دولة العصابة إذا ذهبت إلى المنبع، تستطيع أن تخوض حربا ضدها لتدمرها تدميرا كاملا، كما تستطيع أن تدفعها إلى الإفلاس التام قبل السقوط في الهاوية، وهناك شعب بأسره في إيران يتنظر العون، لأنه هو نفسه يبدو عاجزا عن صنع أي تغيير، قدم الكثير من التضحيات، وخاض عدة انتفاضات ولكن نزعة سفك الدماء هي التي غلبت مرة بعد مرة،

المعركة الحقيقة ضد دولة العصابة إنما تخاض هناك، لن ينجو أحد من غدر الأفعى وسمها إذا قُطع الذيل وبقي الرأس.

إذا حاول الكاظمي، فإنه سوف يُلدغ لدغة قاتلة، وهو يعرف ذلك.

بقي أن تعرف واشنطن، أنها إذا أرادت الدفاع عن مصالحها في العراق، فعليها أن تقطع رأس الأفعى، وألا تتردد، ذلك أن سُمّها الزعاف، ينفث ضحايا جددا كل يوم، ويحط من مكانتها كل يوم.