Skip to main content

القتل طريق الاحتفاظ بالسلطة في سوريا وإيران

قوات إيرانية في سوريا
AvaToday caption
أقام النظامان بنية عسكرية أمنية متقاربة، تعزز سيطرتهما على البلاد
posted onNovember 21, 2018
nocomment

فايز سارة

لعل أهم القواسم المشتركة للنظامين السوري والإيراني، هو الاستخدام الواسع للعنف ضد الشعب. وطوال عشرات السنين من الحكم، لم يتأخر أحدهما في دفع آلته العسكرية - والأمنية للدخول في مواجهات عامة، أو القيام بعمليات خاصة ضد أفراد أو مجموعات قدر أنها تهدد النظام، أو رأى أن عملياته تمثل إجراءات احترازية في مواجهة تهديدات، يقوم بها سوريون أو إيرانيون هدفها تهديد النظام وتغييره، ولو بصورة غير مباشرة، وقد زاد النظامان إلى هذا القوس من العمليات الأمنية - العسكرية، أن نظما وقاما – ما دام تطلب الأمر - بعمليات في بلدان الجوار أو الأبعد منها بواسطة وحداتهما العسكرية - الأمنية أو من خلال ميليشيات وجماعات تتبعهما.

وأقام النظامان بنية عسكرية أمنية متقاربة، تعزز سيطرتهما على البلاد، وتكون قادرة على الحفاظ على السلطة، وهو ما يمكن ملاحظته في التركيبة العسكرية - الأمنية، التي تتضمن إضافة إلى الجيش، وحدات عسكرية نخبوبة، مثالها السوري الحالي الفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد، ومثالها الإيراني الحرس الثوري الذي يقوده محمد علي جعفري، وفي الحالتين، فإن التشكيلين النخبويين بمثابة جيش موازٍ، هدفه الأساسي حماية النظام في البلدين.

وتتضمن البنية العسكرية - الأمنية وجود ميليشيات مسلحة، مثالها الأحدث في سوريا قوات الدفاع الوطني، والتي أقيمت مع ميليشيات أخرى في مواجهة ثورة السوريين بعد العام 2011، والنموذج الإيراني تمثله قوات الباسيج، التي تضم عشرات الميليشيات المحلية المنتشرة في أنحاء البلاد.

وتحظى أجهزة المخابرات باهتمام خاص، إذ هي محط اهتمام ورعاية رأس النظام، ويشرف على تنسيق نشاط كل منها مكتب الأمن الوطني في الحالة السورية ومجلس تنسيق المعلومات في إيران، ورغم تعدد مهماتها، فإن الجامع المشترك في أهدافها الحفاظ على النظام.

إن طبيعة التركيبة الأمنية - العسكرية المتقاربة لنظامي الأسد وملالي إيران، لا تجسد سعيهما من أجل حماية النظام القائم. فهذه المهمة قائمة في كل البلدان، لكنها تفسر طبيعة العمليات، التي تقوم بها تلك البنية في مواجهة الشعبين وقوى المعارضة أياً كانت بما فيها دعاة التغيير السلمي منظمات كانت أو شخصيات سياسية أو مدنية عبر استخدام كل الوسائل والأساليب بما فيها القتل العام في مواجهة التحركات الشعبية في البلدين، والتدخلات المسلحة في البلدان الأخرى، والقتل تحت التعذيب والاغتيالات للمعارضين والنشطاء، وإثارة الفتن وحبك المؤامرات سواء داخل البلاد أو خارجها بما في ذلك استخدام ودعم نشاط الجماعات الإرهابية المتطرفة، وكلها ممارسات ممتدة منذ استيلاء الأسد الأب على سوريا عام 1970 والملالي على إيران في العام 1979.

وتبدو عمليات القتل الواسع، التي قام بها النظامان في سوريا خلال السنوات الماضية، وأدت لموت مئات آلاف السوريين، تعبيراً لسياستهما المشتركة ونموذجاً لما فعله كل منهما في البلد الذي يحكمه. فنظام الأسد ارتكب عمليات قتل واسع في مواجهة مطالب السوريين للتحرر من سلطته على مدار عقد السبعينات، وصولاً إلى مجازر حماة وحلب وإدلب في العام 1980، وقتل فيها نحو أربعين ألفاً، والموازي الإيراني لسياسة نظام الأسد، عمليات قتل مئات المحتجين خلال الثورة الخضراء عام 2009، وقد كرر النظام عمليات القتل في الاحتجاجات الشعبية في السنوات التالية وأبرزها، ما جرى في أكثر من أربعين مدينة إيرانية بداية العام 2018.

ولم يقتصر القتل العام في سياسة النظامين على سوريا وإيران، بل امتد إلى دول أخرى عبر تدخلات مباشرة، أو من خلال قوى محلية ترتبط بالنظامين كما في العراق واليمن، ولعل ما قام به النظامان في لبنان مثال، حيث لم يكتف نظام الأسد وملالي طهران بإرسال قواتهما إلى هناك للسيطرة، ومنع قيام نظام يعارضهما، بل استعانا بميليشيات لبنانية وفلسطينية تتبعهما، شاركت في قتل لبنانيين وفلسطينيين، قبل أن يتشارك النظامان في اغتيالات أصابت نخبة من اللبنانيين واتهامهما باغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري.

ويشكل اغتيال الخصوم في لبنان جزءاً من سياسة اغتيال مارسها النظامان على نحو واسع ضد معارضيهما داخل البلاد وخارجها، وإذا كانت عمليات الاغتيال في الداخل تمت بصورة علنية في سوريا بما فيها اغتيال مسؤولين وضباط كبار منهم رئيس الوزراء الأسبق محمود الزعبي ووزير الداخلية الأسبق غازي كنعان وأعضاء خلية الأزمة، والشيخان معشوق الخزنوي ووحيد البلعوس، فإن أغلب الاغتيالات كانت سرية من جانب إيران، وهو أمر لم يكن ممكناً في حالة الاغتيالات الخارجية لمعارضي النظامين، وقد امتدت في الكثير من دول العالم، وكان من أبرزها بالنسبة لنظام الأسد اغتيال اللواء محمد عمران في لبنان عام 1972، واغتيال صلاح الدين البيطار في باريس 1980، واغتيال بنان الطنطاوي زوجة عصام العطار في ألمانيا 1981. وقد امتدت الاغتيالات الإيرانية بصورة أوسع في العدد والأماكن، والأكثر شهرة فيها اغتيال عبد الرحمن قاسملو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني ومساعده عبد الله آزار في النمسا عام 1989. وشهبور بختيار آخر رئيس وزراء في إيران تحت حكم الشاه عام 1992. والأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني صادق شرفكندي وبعض مساعديه في برلين عام 1992، وكان من أواخر أعمال إيران في مجال اغتيال المعارضين محاولة كان يديرها أسد الله أسدي قنصل السفارة الإيرانية في النمسا لتفجير مؤتمر «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» المنعقد بباريس أواسط عام 2018. ولعل الأهم في عمليات الاغتيال في الخارج، ضلوع سفارات البلدين في تنظيمها وتنفيذها، بما يعني تحول السفارات عن وظيفها الدبلوماسية لتكون وكراً لتصفية المعارضين.

ولعل آخر ما يمكن الإشارة إليه في القتل كطريق مشترك للحفاظ السلطة في سوريا وإيران، يكمن في تحول سجون النظامين إلى مسالخ بشرية حسب التقارير الدولية، يتم فيها قتل وإعدام معارضي النظام، ورغم أن سجن تدمر، هو الأكثر شهرة في سوريا، فقد صار سجن صيدنايا في المقام الأول في السنوات الأخيرة، إذ قتل وأعدم فيه آلاف من المعارضين والنشطاء على نحو ما جرى ويجري في سجني إيفين ورجائي شهر الإيرانيين، حيث قتل وأعدم فيهما عشرات آلاف المعارضين والنشطاء.

خلاصة الأمر أنه لا الحوار ولا الإصلاح طريق لنظامي الأسد والملالي من أجل الاستمرار، وحدهما الدم والقتل طريقهما للبقاء بأدوات ووسائل متعددة وفي كل الأماكن والأوقات.

كاتب وصحافيّ سوريّ