Skip to main content

الدور الكوردي في لعبة القوة الروسية في الشرق الأوسط

الكورد واقعون بين مطرقة روسيا وسندان امريكا
AvaToday caption
حتى السياسة المتناقضة أتت ثمارها مع الکورد، فعندما أجرى "إقليم کوردستان العراق" استفتاءً حول الاستقلال في سبتمبر 2017، اتخذت روسيا موقفا محايدا بشأن هذه الخطوة في حين عارضتها رسميا الولايات المتحدة وكل جهة فاعلة أجنبية أخرى تقريبا
posted onAugust 3, 2020
nocomment

آنا بورشفسكايا

في وقت سابق من هذا الشهر، استأنفت روسيا سعيها لإشراك الکورد من شمال وشرق سوريا في طاولة المفاوضات مع حكومة بشار الأسد، حتى عندما دعمت النظام في الوقت نفسه من خلال تخفيف قرار الأمم المتحدة بشأن المساعدة الإنسانية عبر الحدود إلى هذين الجزأين من البلاد.

وبالمثل، ظلت علاقة موسكو مع الکورد العراقيين قوية حتى في الوقت الذي يوفر فيه الكرملين الضوء الأخضر إلى الجيش التركي لشنّ عمليات ضد الکورد السوريين في الدولة المجاورة ـ وهي العمليات التي تتوسع بشكل متزايد في "إقليم کوردستان العراق" وتجعل مسؤولي "إقليم کوردستان" أكثر توترا وانقساما يوما بعد يوم.

وداخل روسيا، يتحدث كبار المسؤولين والمحللين باستمرار عن أهمية الکورد و"القضية الكوردية" في المنطقة. وبغض النظر عن المصالح الحقيقية الكامنة وراء هذه المشاعر، ستواصل موسكو الاستفادة من علاقتها العميقة والمتعددة الأوجه مع مختلف الجماعات الكوردية طالما استمرت الصراعات حول قضيتهم ـ ليس فقط لتعزيز مكانتها في المنطقة، ولكن أيضا لجر الکورد بعيدا عن الولايات المتحدة.

روابط طويلة الأمد

لم تقم أي دولة بتوفير رعاية للكورد لفترة زمنية طويلة كالتي تولت روسيا تقديمها، ويعود تاريخ هذه الروابط بين الکورد وروسيا إلى عهد كاثرين العظمى حين تصادمت روسيا الإمبريالية مع الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية، وواجهت قبائل كوردية بدوية، وحّولت الکورد الأيزيديين إلى أتباع لها خلال الغزوات في القوقاز. وكان القادة الروس ينظرون إلى الکورد بشكل متزايد على أنهم وسيلة ضغط ضد المنافسين العثمانيين والفرس، في حين اعتبر الکورد الإمبراطورية الروسية على أنها الراعي الرئيسي لهم، ولا سيما في أوائل القرن العشرين.

وفي أعقاب الثورة البولشفية، استغلت موسكو بانتظام قضايا الهوية العرقية باستخدامها ما سمّي بحركات "التحرير" للتحريض على التمرد في إيران والعراق وتركيا، من خلال التعاون الوثيق مع الکورد المحليين في كل قضية على حدة. وفي عام 1923، أنشأت السلطات السوفيتية "جمهورية کوردستان الحمراء"، وهي منطقة كوردية ذات حكم ذاتي قصيرة الأجل في أذربيجان.

ولم يسلم الکورد من "الإرهاب العظيم" الذي مارسه جوزف ستالين، ومع ذلك ظلوا يشغلون حيزا كبيرا من تفكير القيادة السوفيتية. وبالتالي، في عام 1946، دعمت موسكو مجموعة من الکورد الذين أعلنوا قيام "جمهورية مهاباد" في شمال إيران. وبعد سقوط الجمهورية بحلول نهاية ذلك العام، لجأ الزعيم الكوردي العراقي مصطفى البارزاني، جنرال في جيش مهاباد ومؤسس "الحزب الديمقراطي الکوردستاني" في العراق، إلى الاتحاد السوفياتي مع رفاقه حيث بقي أكثر من عقد من الزمن. وفي خمسينيات وستينيات القرن الماضي، دعم الكرملين الحكم الذاتي الكوردي في العراق للتضييق على بغداد، وساهمت ضغوطه في [التوقيع على] اتفاقية الحكم الذاتي للكورد عام 1970.

وفي أواخر السبعينيات، عندما كانت سوريا دولة عميلة سوفياتية كبرى، بدأ "حزب العمال الکوردستاني" بزعامة عبد الله أوجلان حملة تمرد طويلة ضد تركيا، جرى في إطارها أحيانا تنفيذ بعض العمليات من وادي البقاع اللبناني الذي كان محتلا من قبل سوريا، من بين مواقع أخرى.

وعزّز "حزب العمال الکوردستاني" موقعه في فلك موسكو على مر السنين، ومنحت معارضته المسلحة للحكومة التركية القادة الروس نفوذا مفيدا على أنقرة، وبالتالي على حلف "الناتو". وواصل الكرملين استخدام هذه الورقة الرابحة الكوردية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، مما سمح لـ "حزب العمال الکوردستاني" بفتح مكتب تمثيلي له في موسكو ومنْحْ أوجلان ملجأ بعد طرده من سوريا في عام 1998. ووفقا لصحيفة "موسكو تايمز"، كان ما يصل إلى 200.000 كوردي يعيشون في منطقة موسكو بحلول عام 1999، كما انتشر حوالي مليون كوردي في جميع أنحاء الاتحاد السوفياتي السابق.

سياسة روسيا الحالية تجاه الکورد

غالبا ما يؤكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين الآخرين على علاقة روسيا التاريخية الخاصة بالشعب الكوردي، مشيدين بشجاعتهم في مواجهة "المصير الصعب" وفعاليتهم في مكافحة الإرهاب. حتى أن بعض الکورد لعبوا دورا رسميا في سياسة روسيا في الشرق الأوسط ـ ووفقا لمجلة "فوربس"، رافق عضو الدوما الكوردي الأيزيدي زليمخان موتسويف "القوافل الإنسانية في بغداد وکوردستان قبل بدء العملية العسكرية في سوريا".

ولكن في الواقع، إن إبعاد الکورد عن واشنطن هو الدافع الرئيسي لسياسات روسيا الداعمة تجاههم. ففي أواخر العام الماضي، على سبيل المثال، ادعى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن المسؤولين الأميركيين كانوا يمنعون الحوار بين الکورد السوريين ودمشق. كما حذر الکورد من المراهنة على الولايات المتحدة لأن قواتها كانت متواجدة في سوريا "بصورة غير قانونية"، على عكس القوات الروسية. وأعرب بوتين عن مشاعر مماثلة في نوفمبر الماضي بقوله: "ما تم تحقيقه الآن على حدود سوريا وتركيا يتم أيضا بدعم الکورد ويصب في مصالحهم... فالناس يرون ويفهمون أن الجيش الروسي قد جاء لحمايتهم".

وبصرف النظر عن استخدام هذه القضية كهراوة ضد واشنطن، فإن موسكو متأرجحة إلى حد كبير بشأن تقرير المصير الكوردي. وعند رده على سؤال حول الحكم الذاتي الكوردي العراقي في ديسمبر 2016، ادعى بوتين "نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية [العراقية]". بالطبع، ليس لدى موسكو هواجس حول التدخل [في بعض البلدان] عندما يناسب ذلك مصالحها. وفي هذه الحالة، تفضل ببساطة البقاء خارج [هذه القضية].

لكن حتى السياسة المتناقضة أتت ثمارها مع الکورد، فعندما أجرى "إقليم کوردستان العراق" استفتاءً حول الاستقلال في سبتمبر 2017، اتخذت روسيا موقفا محايدا بشأن هذه الخطوة في حين عارضتها رسميا الولايات المتحدة وكل جهة فاعلة أجنبية أخرى تقريبا. ووسط ردود الفعل السلبية الدولية التي سبقت الاستفتاء وأعقبته، اكتسبت موسكو مرونة أكبر من خلال إطلاقها مشاريع طاقة إضافية في "إقليم کوردستان" الذي كان بأمس الحاجة إلى الأموال النقدية، حيث وضعت نفسها في النهاية في مركز تُعتبر فيه أفضل جهة فاعلة في مجال النفط والغاز الطبيعي في المنطقة.

وفي فبراير 2017، على سبيل المثال، قدم عملاق الطاقة الروسي "روسنفت" قرضا لـ "إقليم کوردستان العراق" قدره حوالي 3.5 مليار دولار، ووقّع عقودا لتطوير خمس كتل لإنتاج النفط، واستثمر في البنية التحتية المحلية لتصدير النفط / الغاز. وبقيامها بذلك، أنقذت موسكو بشكل أساسي "إقليم کوردستان العراق" الذي كان يقف عند مفترق طرق حاسم وأعطت الکورد المزيد من النفوذ على بغداد (على الرغم من أن روسيا كانت حريصة على عدم تعريض صفقات الطاقة الكبيرة لشركة "غازبروم" للخطر مع الحكومة الاتحادية العراقية).

وفي مايو 2018، وقّع "إقليم کوردستان العراق" على اتفاقية مع "روسنفت" بشأن البنية التحتية للغاز ووافق على بناء خط أنابيب إلى تركيا، الأمر الذي مكّن موسكو بالتالي من التدخل في علاقات الطاقة الكوردية العراقية مع أنقرة.

وفي الآونة الأخيرة، أدت العمليات العسكرية الجارية التي تقوم بها تركيا في "إقليم کوردستان العراق" إلى تعميق الخلافات بين الکورد، وبإمكان لروسيا الاستفادة من الاضطرابات من خلال المزيد من الصفقات أو غيرها من عمليات التواصل مع الفصائل الفردية.

وفي سوريا، استغلت روسيا الکورد كورقة مفيدة طوال الحرب، وذلك للحفاظ على الأسد في السلطة وإقناع تركيا على تغيير موقفها تجاهه على حد سواء. وعلى عكس واشنطن، لم يصف الكرملين "حزب العمال الکوردستاني" منظمة إرهابية، وقد حافظ "حزب الاتحاد الديمقراطي" السوري الذي يدور في فلك "حزب العمال الکوردستاني" على مكتب له في موسكو منذ فبراير 2016 ـ [ويعكس ذلك] انتقام بوتين الواضح من تركيا بسبب إسقاطها طائرة عسكرية روسية كانت قد دخلت مجالها الجوي في نوفمبر 2015. وبعد ذلك، سعى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى التقارب من موسكو من أجل إعاقة تأسيس دويلة مستقلة يسيطر عليها "حزب الاتحاد الديمقراطي" في شمال سوريا.

وفي حديثه عن الکورد السوريين في ديسمبر 2019، أكد لافروف أنه يجب إعطاء الأسد السيطرة على جميع الأراضي السورية "على أساس أنه يجب أن يتم توفير ما يحتاجه الکورد في أماكن إقامتهم التقليدية". وفي الواقع، تعْرِض موسكو نفسها كوسيط وتصر على إدراج الحقوق القانونية الكوردية في الدستور السوري، ولكن هدفها الرئيسي هو دعم الأسد ـ رئيس النظام السوري الذي يُشبّه الحكم الذاتي الكوردي بتقسيم البلاد ويقول إنه لا يستطيع الموافقة عليه.

ومن جانبهم، يواصل الکورد السوريون تعليق آمال أكبر على الولايات المتحدة من تلك التي يعلقونها على روسيا، ويعزى ذلك عموما إلى أن التعاون العسكري الأميركي ـ الكوردي كان أفضل وسيلة لإثارة غضب تركيا. ومع ذلك، حالما أعلنت واشنطن أنها ستنسحب من سوريا، لم يعد أمام الکورد خيار آخر سوى التقرب أكثر من موسكو والأسد، الأمر الذي منح بوتين فرصة لتعميق العلاقات معهم وتأسيس قوة عسكرية جديدة في شمال شرق البلاد.

الخاتمة

إلى جانب المكاسب التكتيكية المؤقتة، لم يستفد الکورد السوريون من الدعم الروسي. بل على العكس تماما ـ في أوائل عام 2018، قُتل مئات المدنيين الکورد نتيجة لـ "عملية غصن الزيتون" التي قامت بها تركيا في عفرين، وهو هجوم لم يكن من الممكن أن يتقدم دون موافقة موسكو وتنسيقها. وفي ذلك الوقت، اتهم القائد العسكري لـ "حزب الاتحاد الديمقراطي"، سيبان هامو، روسيا بخيانة الکورد، بينما اتهمت موسكو الولايات المتحدة بشكل غير مباشر في حدوث الوفيات.

وبالمثل، لم تفعل موسكو شيئا للحد من الهجوم التركي الحالي في شمال العراق. وطالما تستفيد روسيا من صراعات تركيا مع الکورد، فإن المصلحة الذاتية وليست المخاوف الإنسانية هي التي ستستمر في دفع عملية صنع القرار.

ومع ذلك، فإن التعاون الكوردي مع روسيا أمر مفهوم لأن أي مجتمع في وضع الکورد سيطلب أي دعم خارجي يمكنه الحصول عليه. وكما قال مصطفى بارزاني ذات مرة، "أنا مثل المتسول الأعمى... لا أبالي بمن يضع المال في يدي". وبينما لا ينبغي النظر إلى الجماعات الكوردية بشكل موحّد، فإن العديد من قادتها يميلون إلى الشعور بالارتياح في التعامل مع روسيا نظرا لتاريخهم الطويل معا ـ وواقع عدم قيام موسكو في الضغط عليهم في القضايا الداخلية الحساسة مثل حقوق الإنسان والفساد.

والأهم من ذلك، أثبتت التجربة أنه لا يمكنهم ببساطة الاعتماد على الدعم الغربي. وقد عزز هذا التصور قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجئ بالانسحاب من شمال سوريا في ديسمبر الماضي ـ وبذلك تُرِكت القوات الكوردية تحت رحمة غزو القوات التركية ووكلائها، مما أدّى في النهاية إلى اقترابها من بوتين والأسد من أجل إنهاء المذبحة.

وبالنظر إلى هذه الديناميكيات، يجب على المسؤولين الغربيين ألا يستهينوا بنفوذ موسكو [عندما تتعاون] مع الکورد في سوريا والعراق ودول أخرى. وبينما يواصل الكرملين السعي وراء مصالحه في الشرق الأوسط بطريقة تهكمية، ووحشية، ومزعزعة للاستقرار في كثير من الأحيان، سيتعين على الغرب اكتساب نفوذ أكبر في هذه المجتمعات الكوردية.