Skip to main content

مذبحة ديرسيم؛ هل كانت إبادة جماعية؟

صور من إبادة ديرسيم بيد الجيش التركي
AvaToday caption
أثار عنف الجيش التركي ضد السكان المحليين واغتصاب النساء الكورديات ردة فعل مضادة عنيفة، تم قطع كابلات الهاتف، وتم إطلاق النار على الجنود الأتراك
posted onJune 10, 2020
nocomment

إيوت كلاي

في العام الماضي، ندد الزعيم المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للكورد، برفين بولدان، بالقمع الذي قام به الجيش التركي في شمال سوريا ضد السكان المدنيين الكورد واتهم الحكومة التركية بالإبادة الجماعية للكورد.

وبحسب بولدان، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يريد "خلق عالم خال من الكورد"، وبعبارة أخرى، هذه إبادة جماعية.

وعندما يتعلق الأمر بالإبادة الجماعية، تلعب مدينة درسيم دورًا مهمًا في الذاكرة الجماعية الكوردية. كانت ديرسيم، وهي الآن محافظة تونجلي التركية، مسرحًا لعمليات قتل جماعي تم تنفيذها بين عامي 1937-1938 على يد الجيش التركي، حيث قتل ما بين 20 ألف و30 ألف كوردياً.

يتم إحياء ذكرى المذابح في 15 نوفمبر من كل عام. وفي ذلك اليوم من عام 1937، تم شنق الزعيم الكوردي سييت رضا وبعض أتباعه، الذين عارضوا الحكومة التركية.

وفي سلسلة من جزأين، قدم عدد من الخبراء نظرة ثاقبة على الأسئلة الرئيسية حول المذابح، حيث تم الكشف عن مزيد من المعلومات والأدلة في السنوات الأخيرة.

كيف نفسر هذا الحدث؟ هل كانت بالفعل إبادة جماعية؟ وما هي العلاقة بين الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915 وأحداث ديرسيم بعد 22 عاماً؟ كيف يتعامل الأتراك مع هذه الصفحة المظلمة في التاريخ التركي؟ وما هو الدور الذي تلعبه ديرسيم بالضبط في ذاكرة الكورد؟ وخاصة كورد ديرسيم؟

كانت الجمهورية التركية، التي تأسست عام 1923، دولة الحزب الواحد خلال فترة ما بين الحربين العالميتين. كان مصطفى كمال أتاتورك (1881-1938) من حزب الشعب الجمهوري يمتلك السلطة المطلقة.

وكانت الأيديولوجية الكمالية هي الأيديولوجية السائدة في تركيا. ووفقا للمؤرخ الهولندي الكوردي وباحث الإبادة الجماعية، يوغور أوميت أونغور، كان هذا مزيجًا يجمع بين "الجمهورية والعلمانية والدولة والشعبوية والثورة والقومية".

تؤمن الحكومة التركية بشعب واحد ولغة واحدة ودين واحد: تركيا الجديدة كانت تؤمن بالعرقية التركية، واللغة التركية، وكان دينها الإسلام السني. انتشرت هذه الأيديولوجية من المركز إلى الأطراف. وفي كل مكان أقيمت مباني حزب الشعب الجمهوري، وتم نشر عن الرسالة الجديدة.

وفي المناطق الكوردية في شرق تركيا، واجهت المركزية التركية مقاومة كوردية. سحقت تركيا هذه الانتفاضات وعززت من سلطتها المركزية في هذه المناطق، التي كانت في السابق اسميا فقط تحت الحكم العثماني.

كانت ديرسيم واحدة من أكثر المناطق إشكالية، وتقع على بعد حوالي 400 كيلومتر شرق العاصمة أنقرة. في هذه المنطقة الجبلية التي يصعب الوصول إليها، كان للحكومة المركزية سلطة اسمية فقط. كان الحكام الفعليون مختلف القبائل الكوردية، الذين كانوا يشتبكون بانتظام مع بعضهم البعض.

كان الكورد في درسيم أقلية ثلاثية أيضًا. كانوا كورداً، لكنهم كانوا يتحدثون لغة مختلفة بالنسبة للعديد من الكورد؛ وهي لغة زازا. بالإضافة إلى ذلك، كانوا من العلويين – وهي أقلية دينية تتبع تقاليد إسلامية توفيقية ومتغايرة.

وبحسب يوغور، يمكن مقارنة الكورد من ديرسيم بطريقة ما مع الإيزيديين، الذين كانوا ضحايا إبادة جماعية من قبل داعش في عام 2014. يقول يوغور "شكل الإيزيديون أيضًا أقلية خاصة بهم، بهويتهم العرقية والدينية الخاصة بهم، ما تسبب في قتلهم".

وقال عالم الأنثروبولوجيا الهولندي، مارتن فان بروينيسين، الذي درس الثقافات التركية والكوردية والزازية، إن الحكومة التركية قارنت بين الكورد في درسيم وبين الأميركيين الأصليين في "الغرب المتوحش".

يقول فان بروينسين "كان الحكام الأتراك يعتبرون ديرسيم منطقة مهجورة لم تحكم فيها الحضارة بعد. هذه المنطقة يجب أن تكون حضارية. كان الكورد في درسيم بربريين وغير إنسانيين في نظر الحكام الأتراك، وكان من السهل قتلهم بشكل جماعي في 1937-1938".

الثورة والقتل الجماعي

لم يهتم الكورد في ديرسيم كثيراً بالجهود الكمالية من أجل تحقيق الوحدة. لم تعمل مؤسسات مثل التعليم العام والبريد والشرطة إلا في المدن الإقليمية، وكانت القرى في كثير من الأحيان مناطق مجهولة بالنسبة للخدمة المدنية التركية. أرادت الحكومة المركزية إقامة سلطتها بشكل دائم في المنطقة وإنهاء الحكم الذاتي المحلي.

وفي 17 يونيو 1925، أنشأت الحكومة "لجنة إصلاح منطقة الشرق" (شرق إصالحات إنكوماني). وقد توصلت هذه اللجنة إلى عمل تقرير مطول اقترح من بين أمور أخرى إعلان حالة الطوارئ الدائمة في شرق تركيا. وهذا من شأنه أن يسهل تطبيق عملية التتريك.

وبعد ست سنوات، في عام 1931، أصدر وزير الداخلية سوكرو كايا (1883-1959) تقريرًا منفصلًا عن ديرسيم.

وقال أونغور "الأمر يتعلق بالعنف التعسفي من قبل زعماء القبائل والتهرب الضريبي والحيازة الضخمة للأسلحة وغياب القانون والتهرب من الخدمة العسكرية". واقترح كايا خطة من مرحلتين: في السنة الأولى من الحملة المستقبلية، سيتم التغلب على المشكلات المذكورة أعلاه بعنف. وفي السنوات التالية، يمكن للتعليم وعمليات الترحيل الجماعية أن يكملوا عملية التتريك".

وفي نهاية عام 1935، دخل "قانون تونجلي" حيز التنفيذ. ومن الآن فصاعدًا، تم تسمية ديرسيم "تونجلي".

رفضت بعض القبائل الكوردية، التي اعتبرت قبضة الحكومة المركزية المعززة في المنطقة انتهاكًا لسلطتها، تسليم أسلحتها، وأثار عنف الجيش التركي ضد السكان المحليين واغتصاب النساء الكورديات ردة فعل مضادة عنيفة، تم قطع كابلات الهاتف، وتم إطلاق النار على الجنود الأتراك، وفي ليلة 20-21 مارس 1937، أطلقت بعض الجماعات الكوردية النار على مركز للشرطة وجسر.

وقال فان بروينسن "يتحدث الكورد القوميون عن انتفاضة ضد الدولة التركية، لكن الكثير من أبناء ديرسيم يقولون الآن إنه لم تكن هناك انتفاضة جماعية".

ووافقت بورا غيليك، التي ينحدر أصلها من ديرسيم وتعيش الآن في هولندا، على ذلك. تقول غيليك "كانت القبائل في ديرسيم تتشاجر مع بعضها البعض. لم يكن هناك أي وحدة. فسرت تركيا حرق الجسر وقطع كابلات الهاتف على أنها انتفاضة جماعية، لكن هذا غير صحيح. كانت هذه مجزرة".

وسواء كان حرق الجسر هو بداية الانتفاضة أم لا، فقد فسرت الحكومة التركية ذلك على هذا النحو وكانت عازمة على اتخاذ رد حازم.

وقال أونغور "بدأت العملية المسماة ’العقاب والترحيل’ في صيف عام 1937 وتكثفت في يوليو وأغسطس من العام نفسه. قاتل أبناء ديرسيم، المسلحين بأسلحة قديمة، بقوة لكنهم لم يكونوا على نفس مستوى المدافع الرشاشة التركية وهجمات قذائف الهاون. وأضاف أوغور أن مقاتلي ديرسيم كانوا عاجزين ايضا عن التصدي للضربات الجوية التي قامت بها ابنة اتاتورك بالتبني، صبيحة كوكجن".

كانت الهزيمة حتمية. وقد تم نصب كمين لعليسجير، وهو زعيم متمرد كردي كبير، وقطع رأسه. ثم أراد زعيم المتمردين سييت رضا التفاوض مع الأتراك، ولكن تم القبض عليه هو وحاشيته وشنقهم في 15 نوفمبر 1937.

وعلى الرغم من أن الانتفاضة في ديرسيم تم هزيمتها والقضاء عليها، إلا أن العملية العسكرية التركية استمرت على الرغم من ذلك.

وقالت غيليك "تكونت العملية التركية من مرحلتين، تلك التي كانت في عام 1937، والتي كانت عسكرية بشكل أساسي، والمرحلة التي كانت في عام 1938، والتي كانت إبادة جماعية بطبيعتها".

وقال يوغور أنه تم مهاجمة عدد كبير من القرى، وتم جمع الناس وإطلاق النار عليهم أو حرقهم أحياء، ولم يتم إنقاذ النساء والأطفال. ويقدر أن ما بين 20 ألف و30 ألف كردياً قتلوا في ديرسيم في 1937-1938. ويؤكد فان بروينسن على نفس التقديرات.

يتفق الجميع تقريبًا على أن الأحداث في ديرسيم كانت رهيبة. لكن هل كانت إبادة جماعية؟

في مقالة علمية عام 1994 بعنوان "الإبادة الجماعية في كردستان؟ قمع تمرد ديرسيم في تركيا (1937-1938) والحرب الكيميائية ضد الكورد العراقيين" (1988) لم يصف فان بروينسن القتل الجماعي في ديرسيم بأنه إبادة جماعية.

وقال "لتحديد ما إذا كانت قضية القتل الجماعي إبادة جماعية، هناك معياران مهمان: الأول هو النية، والثاني هو قتل أعضاء مجموعة معينة، ببساطة لأنهم يهود أو كورد أو غجر. إذا قُتل العديد من الأشخاص في سياق الحرب، أو في قمع التمرد، فلا يمكن تسمية هذه إبادة جماعية - إلا إذا كان بإمكانك القول بأن قمع هذا التمرد كان جزءًا من خطة أوسع لتدمير مجموعة معينة".

وقال فان بروينيسن، إن علماء الاجتماع يميلون تقريبًا إلى اعتبار الإبادة العرقية شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية، بينما ينظر رجال القانون بشكل أكثر صرامة إلى معيار الإزالة الجسدية.

نشرت هذه الدراسة باللغة الهولندية في مجلة دي كانتكنينغ، وسيتم نشر هذه الدراسة على عدة أجزاء