تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تناحر الميليشيات العراقية يقلق طهران

التنافس بين الميليشيات العراقية على منصب المهندس يهدد نفوذ إيران
AvaToday caption
كثيرا من المسؤولين راؤوا في زيارة قاآني اختبارا لقدرته على ترسيخ التوافق بين الكتل السياسية المختلفة في العراق، لكن عدم إجادته اللغة العربية وغياب علاقات شخصية بينه وبين الشخصيات الرئيسة في العراق يثير شكوكا بهذا الشأن
posted onApril 2, 2020
noتعليق

هرول قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، بداية هذا الأسبوع إلى العاصمة العراقية بغداد لأول مرة منذ توليه منصبه الجديد خلفا لقاسم سليماني الذي قتل في غارة أميركية قرب مطار بغداد أوائل يناير الماضي، في خطوة تكشف حدة الخلافات والتناحر بين الميليشيات التي تدعمها طهران المتوجسة من فقدان ثقلها في الحكومة العراقية الجديدة.

ونقلت الوكالة أمس الأربعاء عن أربعة مسؤولين عراقيين تأكيدهم أن قاآني وصل بغداد في ساعات متأخرة من الاثنين، بأول زيارة رسمية منذ اغتيال سلفه سليماني في وقت تتزايد فيه الشروخ بين الفصائل الشيعية الموالية لطهران في العراق منذرة بتراجعها على الساحة السياسية.

وأكد المسؤولون أن قائد فيلق القدس غادر المطار عقب دخوله العراق وسط إجراءات أمنية مشددة، بموكب مؤلف من ثلاث سيارات.

ولفت المسؤولون إلى أن الزيارة التي لم يتم الإعلان عنها رسميا جاءت في محاولة لتوحيد القوى السياسية العراقية، في وقت تقوض فيه معارضة ائتلاف "الفتح"، إحدى أكبر الكتل السياسية في البلاد، فرص تشكيل الحكومة برئاسة رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي.

وقال أحد المسؤولين لأسوشتيد إن قاآني أكد في الاجتماعات التي عقدها في بغداد أن إيران لا تريد أن يتولى الزرفي رئاسة الحكومة العراقية.

ولفتت الوكالة إلى أن كثيرا من المسؤولين راؤوا في زيارة قاآني اختبارا لقدرته على ترسيخ التوافق بين الكتل السياسية المختلفة في العراق، لكن عدم إجادته اللغة العربية وغياب علاقات شخصية بينه وبين الشخصيات الرئيسة في العراق يثير شكوكا بهذا الشأن.

ونقلت الوكالة عن مسؤول سياسي شيعي رفيع المستوى في العراق طلب عدم الكشف عن اسمه قوله إن "هذا أول اختبار له بغية التأكد مما إذا كان قادرا على توحيد الموقف الشيعي كما فعله سليماني".

وتأتي زيارة قائد فيلق القدس الجديد إلى بغداد في وقت تشهد فيه الفصائل الشيعية الموالين لطهران والقوى السياسية في العراق تناحرا على السلطة وتجاذبات بسبب تكليف الزرفي برئاسة الحكومة التي ينتظرها العراقيون منذ أشهر.

وتفاقمت الانشقاقات والشروخ بين الميليشيات العراقية التي تدعمها إيران منذ مقتل سليماني مع القيادي بهيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بغارة جوية أميركية ببغداد في 3 يناير/ كانون الثاني الماضي.

وفي فبراير/شباط وضع أحد قادة الفصائل العراقية الذي تلقى تدريبا إيرانيا يده على مكتب رئيسه أبو مهدي المهندس. وكان أمل كثيرين من رجال الفصائل الموالين لإيران أن يكون هذا هو الحل لمشاكلهم، وأن يخلف ذلك القائد المخضرم عبدالعزيز المحمداوي المهندس كقائد عام للفصائل المسلحة العراقية التي تفرقت بعد مقتل القائدين المعلمين.

وبدلا من ذلك أدى هذا التغيير إلى انقسامات جديدة، حيث رفضت الفصائل الاعتراف بالمحمداوي المعروف باسمه الحركي "أبو فدك" قائدا لقوات الحشد الشعبي التي تنضوي الفصائل تحت لوائها. بل إن البعض في فصيله، كتائب حزب الله، عارض ارتداءه عباءة القيادة حسبما قال بعض العارفين ببواطن الأمور في الفصيل.

ومنذ ذلك الحين انطلق التنافس على المناصب العليا في الحشد الشعبي ليفرض مقتل سليماني والمهندس تحديا لتلك الميليشيات، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة تقليص نفوذ إيران عدوها في المنطقة.

والآن تتحدث مصادر في الفصائل المدعومة إيرانيا بقوات الحشد الشعبي وقادة جماعات أخرى أقل قربا من طهران، عن خلافات متزايدة على القيادة وتقلص الأموال الإيرانية الأمر الذي يحبط محاولات الوحدة في مواجهة الظروف المعاكسة.

وتزيد هذه الخلافات من سرعة التراجع على الساحة السياسية، حيث أصبح قادة الفصائل يختبئون خوفا من أن تغتالهم الولايات المتحدة ومن مواجهة معارضة مناهضة لإيران في الشوارع بعد أن كانوا يسيطرون في وقت من الأوقات على مناصب حكومية ومقاعد في البرلمان.

ويواجه هؤلاء القادة تنصيب رئيس وزراء ينهج نهجا مماثلا للنهج الأميركي ويشير إلى أنه سيعمل على وقف هيمنة الجماعات التي تعمل بالوكالة لحساب إيران.

وقد صعدت الفصائل هجماتها على القوات العاملة تحت قيادة أميركية في العراق بعد ما واجهته من مشاكل. ويقول مسؤولون غربيون عسكريون ودبلوماسيون إن ذلك يثير إمكانية حدوث تصعيد بين الولايات المتحدة وإيران لن تتمكن بغداد من وقفه.

كان محور الانقسامات هو قيادة قوات الحشد الشعبي التي شكلت لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية بعد أن دعا المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني كل القادرين إلى حمل السلاح للتصدي للمتشددين من السنة.

وتضم ميليشيات الحشد الشعبي التي تمولها الدولة عشرات الفصائل أغلبها من المذهب الشيعي ولها ولاءات مختلفة غير أن الفصائل القوية التي تتلقى أوامرها من إيران تهيمن عليها ومنها كتائب حزب الله التي كان المهندس قائدها ومنظمة بدر التي يقودها النائب والقائد في الحشد هادي العامري وحركة النجباء التي يتزعمها أكرم الكعبي، المصنف ضمن لوائح العقوبات الأميركية وغيرها.

وكان لسليماني القول الفصل في أقوى الفصائل الشيعية، حيث كان يوجه أوامر تحرك الميليشيات في العراق لتحديد سياسات الحكومة عبر فرض الأمر الواقع عسكريا وقد تعرض لهجوم غير مسبوق من قبل المتظاهرين العراقيين منذ بداية الحراك العشبي في أكتوبر الماضي، بعد أن أشرف بنفسه على عمليات فض الاعتصامات لانهاء موجة الاحتجاجات بقوة السلاح وأسفر ذلك عن حصيلة كارثية من الضحايا.

غير أن مقتله غير الخطط الإيرانية في العراق وأربكها كما كان لمقتل المهندس القائد العسكري للحشد مغزى أكبر لدى هذه الميليشيات إذ كان شخصية يلتف حولها الجميع.

والآن يعمل المحمداوي في مكتب المهندس القديم في بغداد وفقا لما يقوله مصدر كبير في الفصيل طلب إخفاء هويته قبل الحديث عن الخلافات بين الفصائل.

وقال المصدر "خلق هذا انقسامات بما في ذلك داخل الكتائب".

ووصف هو ومسؤولان آخران من الفصائل تحول التحالفات بما في ذلك تحولات في صفوف فصيلين مؤيدين لإيران. وقالوا إن الانقسامات تدور حول خلافة المهندس وأوجه إنفاق الأموال الإيرانية، للعمل العسكري أم للنفوذ السياسي.

وقال المصدر الأول "معسكر في الكتائب بقيادة أبو فدك. ومعسكر آخر يعارضه يسيطر على قوات الحشد الشعبي".

وأضاف "في (منظمة) بدر، جناح يؤيده وكان مقربا من المهندس وجناح آخر لا يؤيده وهو الجناح السياسي".

ولم تقدم المصادر تفاصيل عن تخفيض التمويل الوارد من إيران التي تضررت بشدة من انتشار فيروس كورونا والعقوبات الأميركية.

وقالت المصادر إن من شأن الخلافات أن تبدأ الفصائل شن هجمات من تلقاء نفسها دون التشاور مع بعضها بعضا.

وفي إشارة إلى هجوم أسفر عن مقتل جنديين أميركيين وجندي بريطاني في مارس/آذار، قال مسؤول "لم يوافق الكل على استهداف قاعدة التاجي العسكرية". وأضاف "بعض الجماعات تعمل دون التشاور مع التسلسل القيادي في الحشد الشعبي".

وتتحدث مصادر الفصائل عن انقسام إضافي في الحشد الشعبي. فقد رفضت عدة فصائل أقرب إلى السيستاني، الذي يعارض هيمنة إيران على الحشد الشعبي، علنا تولي المحمداوي القيادة في فبراير/شباط وذلك في تحد نادر الحدوث للمعسكر الموالي لإيران.

وقال قادة تلك الفصائل إنهم اتفقوا من حيث المبدأ بعد ذلك مع وزارة الدفاع على الاندماج في القوات المسلحة في خطوة من شأنها أن تفصلهم عن الفصائل المدعومة من إيران. وأكد مصدر مقرب من السيستاني إن مكتبه بارك تلك الخطوة.

وتأتي زيارة قاآني هذا الأسبوع لبغداد في وقت يتزايد فيه القلق الإيراني من فقدان السيطرة على الميلشيات المرتبكة.

وقال المصدر الأول بالميليشيات "إذا كان السيستاني يؤيد ذلك فربما يقتدي به 70 في المئة من المقاتلين من ذوي الرتب الأقل في كل الفصائل إذ أنهم لم ينضموا إلا تلبية لفتواه".

ولا يمكن لأي من هذه الخطوات أن تكتسب الصفة الرسمية إلى أن تتولى حكومة جديدة السلطة. غير أن نوابا ومسؤولين في الحكومة يقولون إن من المرجح أن يوافق عليها الزرفي هذا الشهر وذلك نتيجة لضعف الفصائل المؤيدة لإيران، وهو ما دفع فعلا الحرس الثوري للتدخل بشكل عاجل.

وقال نائب من أكبر تكتل في البرلمان العراقي طالبا عدم نشر اسمه "من قبل كان بإمكان الفصائل والساسة المدعومين من إيران فرض من يختارونه رئيسا للوزراء".

وأضاف "أما الآن فلا يمكنهم حتى الاتفاق فيما بينهم على من يريدونه لهذا المنصب" مضيفا أن كثيرين يفضلون أن يشغل الزرفي هذا المنصب.

وفي الشهر الماضي اختار الرئيس برهم صالح الزرفي الذي يعارضه قادة فصائل مدعومة من إيران. وقد أشار إلى أنه سيتشدد مع الفصائل ونشر تغريدة على تويتر في مايو مؤكدا فيها أن ولاء الحشد الشعبي سيكون للعراق والعراقيين.

ولن تستسلم الفصائل المدعومة من إيران في هدوء. فقد حذرت كتائب حزب الله الأسبوع الماضي من أنها ستتصدى لأي قوة تتعاون مع واشنطن في مهاجمة الفصائل.