هدى رؤوف
بتتبع مسار الاتفاق النووي بين إيران والغرب منذ الانسحاب الأميركي، نجد أن أهداف إيران والأطراف الغربية تجاه الاتفاق قد تغيرت مع الوقت، ففي وقت رغبت فيه طهران بإحياء الاتفاق وعودة واشنطن من أجل رفع العقوبات الأميركية لتتمكن من تصدير النفط، أصبح هدف الأطراف الغربية وقف تقدم البرنامج النووي الإيراني ومنع الانتشار النووي، فى حين أصبح هدف إيران الحصول على ضمانات اقتصادية وقبلها ضمانات سياسية، وربما تطالب بأخرى قانونية من أجل إتمام الاتفاق.
و في حين وصف المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران روبرت مالي الجولة الأخيرة من المحادثات في الدوحة بأنها مناسبة ضائعة، وقال الثلاثاء، الخامس من يوليو (تموز) الحالي، إن الإيرانيين وصلوا إلى طاولة المفاوضات بمجموعة جديدة من المطالب، نفى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أن يكون الجانب الإيراني قد سعى إلى الحصول على تنازلات إضافية.
المطالب والشروط
في ظل نمط التفاوض الإيراني القائم على المماطلة والمراوغة فإنه يمكن أن نلحظ تطور المطالب والشروط الإيرانية لإتمام المراحل النهائية من الاتفاق، ففي حين أنها طالبت في مراحل متقدمة من محادثات فيينا بضمانات من الولايات المتحدة تحفظ لها عدم خروج أي إدارة أميركية من الاتفاق حال إحيائه، عادت لتطالب بشطب "الحرس الثوري" من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية إلى أن طالبت أخيراً بضمانات اقتصادية بأنها ستستفيد من المزايا الاقتصادية للاتفاق.
وجاءت مطالبة إيران بالضمانات الاقتصادية خلال محادثات ثنائية غير مباشرة بين واشنطن وطهران في الدوحة، جاءت بعد سبع جولات من محادثات فيينا التي توقفت منذ فترة، ثم كرر وزير الخارجية الإيراني الشروط ذاتها خلال لقائه وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في طهران.
مغزى الضمانات الاقتصادية أن إيران تريد ضماناً بأنها ستسفيد من الاتفاق النووي اقتصادياً، وليس فقط مجرد رفع العقوبات، فهي تريد ضمانات تقنع بها الدول والشركات بأن الاستثمار معها آمن، وتريد تأمين تمتعها بمزايا الاتفاق، لا سيما وأنه بعد اتفاق 2015 انسحبت الشركات التى وقعت معها عقوداً خوفاً من العقوبات الأميركية التي فرضها ترمب عام 2018، فإيران لا تريد فقط الحماية من إعادة فرض العقوبات، بل هناك حاجة إلى معالجة مخاوف لدى الشركات قد تمنعها من الاستثمار حتى لو لم يتم فرض العقوبات.
من جانب آخر، تريد إدارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تسويق أن العودة للاتفاق النووي جاءت بعد إدخال تحسينات عليه جعلته أفضل من ذلك الذي تم خلال ولاية الرئيس السابق حسن روحاني.
وفي حين انتهت محادثات الدوحة الثنائية غير المباشرة بين واشنطن وطهران من دون جدوى، أصدرت إدارة بايدن حزمة جديدة من العقوبات تستهدف شبكة دولية تقول إنها سهلت بيع ما قيمته مئات الملايين من الدولارات من النفط الإيراني ومنتجات البتروكيماويات إلى شرق آسيا، وحددت وزارتا الخارجية والخزانة في إدارة بايدن 15 فرداً وكياناً في إيران وفيتنام وسنغافورة والإمارات وهونغ كونغ لدعمهم "تجارة الطاقة الإيرانية التي تولد ملايين الدولارات من العائدات غير المشروعة"، وذلك بحسب بيان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
خيبة أمل
وصرح بلينكن أن الولايات المتحدة كانت مخلصة وثابتة في جهودها نحو العودة للاتفاق النووي، لكن إيران فشلت في إظهار التزام مماثل بهذا المسار، مؤكداً أنه "في غياب تغيير المسار من جانب إيران ستواصل الإدارة استخدام العقوبات لاستهداف صادرات البترول والمنتجات النفطية والبتروكيماوية من إيران".
وعلى الرغم من الشد والجذب بين إيران والولايات المتحدة وتعثر محادثات الدوحة، لا يمكن الجزم بأن هناك توتراً بين الطرفين أو أن تعثر لقاء الدوحة يعني النحو تجاه تصعيد إيراني - أميركي بل النقيض تماماً، فمن جهة سهلت الدوحة لقاء ثنائياً بين الطرفين الذين امتنعا من اللقاءات الثنائية العلنية لسنوات طويلة، كما أنه وفي ظل حاجة السوق الماسة إلى مزيد من النفط الخام لخفض الأسعار ستظل واشنطن تضغط على إيران، فضلاً عن رغبة الطرفين في عودة النفط الإيراني للأسواق العالمية لمعاجلة أزمة الطاقة الروسية، وهنا يأتي سؤال إلى ماذا تستند إيران في تعنتها خلال المفاوضات وطرح مطالب جديدة كل فترة؟
تتعنت إيران استناداً إلى حال الأسواق العالمية والتي تحتاج مزيداً من النفط الإيراني بعد إحياء الاتفاق النووي، فقد ارتفعت مع أزمة أوكرانيا أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة تجاوزت الـ 115 دولاراً للبرميل، بينما تمتلك إيران حوالى 100 مليون برميل من النفط المخزن والذي لا يحتاج إلى وقت للاستخراج، لذا فهي تتعنت في مقابل الحاجة الأميركية والدولية إلى ضبط سوق الطاقة، ولهذا لا يمكن الجزم أيضاً بأن محادثات الدوحة فشلت، لأنه من المؤكد أنها لم تكن خاصة فقط بالاتفاق النووي، بل ببحث وترتيب ضخ النفط الإيراني في السوق الدولية.