تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

عودة "داعش" في العراق… ضرورة إيرانية

داعش
AvaToday caption
وجدت إيران أنّ هناك فراغا لا بدّ من ملئه. لذلك نجد كلّ هذه الأفعال الهجوميّة التي تمارسها “الجمهوريّة الإسلاميّة”، أكان ذلك في العراق أو سوريا ولبنان أو اليمن حيث تبدو مصرّة على وضع اليد على مدينة مأرب وذلك كي تكتمل مقومات الدولة
posted onOctober 30, 2021
noتعليق

خيرالله خيرالله

فجأة عاد “داعش” ينشط في العراق. لم ينشط “داعش” يوما من دون تحريك له من بعيد عن طريق النظامين الإيراني والسوري. في النهاية، خرج قادة “الدواعش” من سجون عراقيّة وسوريّة في وقت كان مطلوبا إظهار النظام السوري في مظهر من يحارب الإرهاب والتكفيريين.

تلك تجارة رائجة يتقنها النظامان الإيراني والسوري عن ظهر قلب. يلجآن إليها دائما في الوقت الذي تدعوهما الحاجة إلى ذلك. وصل بهما الأمر في مرحلة معيّنة إلى تسليط “داعش” على لبنان من أجل تخويف المسيحيين فيه وجعل “حزب الله” يعتمد خطابا سياسيا يوحي بأنّه المحافظ على الأقلّيات في المنطقة وأنّه حامي المسيحيين في لبنان وسوريا في الوقت ذاته. هناك من انطلى عليه هذا الخطاب الذي لا يمت للحقيقة والواقع بصلة.

يبدو مطلوبا في الوقت الحاضر أخذ العراق إلى مكان آخر وإظهار أنّ لا حياة للعراق ولا مستقبل له ولأبنائه في غياب “الحشد الشعبي” الذي يرفض الاعتراف بنتائج الانتخابات الأخيرة، هو وأحزاب إيران. بكلام أوضح، لا حياة للعراق ولا مستقبل له من دون دور إيراني فاعل على كلّ صعيد ومن دون سيطرة إيرانيّة على الحياة السياسيّة والاقتصادية في البلد. هل أفضل من عذر اسمه “داعش” ومجازر يرتكبها في ديالي وغير ديالي لتبرير الحاجة الماسة إلى “الحشد الشعبي” ودوره؟

لم تناسب نتائج الانتخابات الأخيرة إيران، على الرغم من المواقف المتقلّبة لمقتدى الصدر الذي صار يمتلك أكبر كتلة برلمانية في المجلس النيابي الجديد. تبيّن، أقلّه في الوقت الراهن، أنّ الصدر قرّر السير في خط مستقل عن “الجمهوريّة الإسلاميّة”. ليس معروفا كم سيستمر ملتزما هذا الخط، لكنّ كل التطورات العراقيّة الأخيرة تشير إلى أنّ الرجل يبدو مصمما على اعتماد خط مستقلّ عن إيران يقوم على رفض أي سلاح خارج سلاح الدولة العراقية. مثل هذا الخط يتعارض كلّيا مع التوجّه الإيراني القائم على استنساخ تجربة “الحرس الثوري” في العراق عن طريق “الحشد الشعبي” الذي يجسد من وجهة نظر “الجمهوريّة الإسلاميّة” المستقبل الذي تراه للعراق. أي العراق كبلد كتابع لإيران ليس إلّا.

من هذا المنطلق، لم تعجب نتائج الانتخابات العراقيّة إيران. مطلوب تغييرها بالقوة… أو بالتي هي أحسن… أو عبر إعادة “الحشد الشعبي” إلى الواجهة بصفة كونه ضرورة لا مجال لتجاوزها من أجل مواجهة “داعش” الذي استعاد نشاطه بقدرة قادر.

ثمّة فرصة لا يمكن لإيران إضاعتها. برزت هذه الفرصة أمامها بعدما قرّرت الإدارة الأميركية الانسحاب من المنطقة تدريجيا. ليس ما يشير إلى تراجع عن الرغبة في الانسحاب لدى إدارة جو بايدن وذلك بعدما نفّذت انسحابا عسكريا من أفغانستان. نفّذت الانسحاب بطريقة أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها عشوائية. أرسلت الإدارة كلّ الإشارات الخطأ في الوقت الخطأ، خصوصا إلى حلفائها العرب والأوروبيين. وجدت إيران أنّ هناك فراغا لا بدّ من ملئه. لذلك نجد كلّ هذه الأفعال الهجوميّة التي تمارسها “الجمهوريّة الإسلاميّة”، أكان ذلك في العراق أو سوريا ولبنان أو اليمن حيث تبدو مصرّة على وضع اليد على مدينة مأرب وذلك كي تكتمل مقومات الدولة القابلة للحياة التي تنوي تكريس وجودها في شبه الجزيرة العربيّة على جزء من أرض اليمن.

يشكل العراق حلقة أساسيّة في المشروع التوسّعي الإيراني الذي ترفض إدارة بايدن أخذ العلم به. هذا ليس وقت إضاعة العراق الذي سعت إيران منذ العام 1979 لإخضاعه وخاضت حربا استمرّت ثماني سنوات (بين 1980 و1988) من أجل تحقيق مثل هذا الغرض. استثمرت إيران طوال سنوات في كلّ ما من شأنه وضع اليد على العراق. كان العراق الهدف الأوّل لآية الله الخميني الذي أقام فترة طويلة في النجف بعد إخراجه من إيران في أيّام الشاه الراحل. كان حقد الخميني على العراق من النوع الذي لا حدود له… إلى أن ارتكب صدّام حسين خطيئته القاتلة عندما قام بمغامرته المجنونة في الكويت صيف العام 1990. كانت إيران المستفيد الأكبر من تلك المغامرة وكانت لاحقا المستفيد الوحيد من قرار إدارة جورج بوش الابن اجتياح العراق عسكريّا في العام 2003 بهدف إقامة نظام جديد. شاركت إيران في التخطيط لمرحلة ما قبل الحرب الأميركيّة والإعداد لها بأن فرضت شروطا خاصة بها قبل بها الأميركيون. من بين هذه الشروط تضمين النص الذي صدر عن مؤتمر المعارضة العراقية عبارة “الأكثريّة الشيعية في العراق”. انعقد ذلك المؤتمر برعاية أميركية وإيرانيّة في كانون الأوّل – ديسمبر 2002 ووضع الأسس لما سيكون عليه النظام العراقي الجديد في مرحلة ما بعد إزاحة صدّام حسين.

لم تبذل إيران كلّ هذه الجهود من أجل أن تهزم في انتخابات عراقيّة وكي تقف في وجهها شخصية مثل الصدر. لم تنشئ “الحشد الشعبي” كي يأتي يوم يقول فيه سياسيون عراقيون إنّ لا سلاح غير سلاح الشرعيّة. إيران ليست جمعيّة خيرية. تعرف تماما أن الانطلاقة الجديدة لمشروعها التوسّعي كانت في العام 2003 بعدما سلمتها إدارة بوش الابن العراق على صحن من فضّة وبعد قرار المفوض السامي الأميركي القاضي بحلّ الجيش العراقي. لم يحلّ الجيش العراقي كي يأتي مصطفى الكاظمي ويعمل من أجل تعزيز هذا الجيش الذي كان عليه أن ينهار مرّة أخرى في العامين 2020 و2021 على غرار ما حصل أيّام نوري المالكي عندما اجتاح “داعش” الموصل في العام 2014.

ممنوع على العراق استعادة توازنه بين إيران والدول العربيّة، التي كان من بينها في الماضي القريب. ممنوع على العراق أن يتنفّس بفضل انتخابات أو أيّ أمر من هذا القبيل. ممنوع على العراق أن يقول بالفم الملآن إنّه العراق وإن إيران هي إيران. لكلّ هذه الأسباب، صار ظهور “داعش” مجددا ضرورة إيرانيّة من أجل منع الانتخابات من أن تصير خطوة أخرى على طريق استعادة البلد شخصيته لا أكثر.