تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مصائب الإيرانيين لا تأتي فرادى

الشرطة الإيرانية
AvaToday caption
الأمر أثار مخاوف منظمة الصحة العالمية، من أن تصبح إيران مصدرًا للفيروس في الشرق الأوسط، خاصة بعد أن أعلن العراق ولبنان والإمارات العربية المتحدة، والكويت، تسجيل حالات إصابة بكورونا لمواطنين عائدين للتو من زيارة مدينة قم في إيران.
posted onFebruary 26, 2020
noتعليق

في شهر يناير (كانون الأول) الماضي، تداول بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي باللغة الفارسية، شائعات تفيد بوجود أشخاص مصابين بـ«فيروس كورونا» الجديد داخل الأراضي الإيرانية.

التقط الأمر صحافي إيراني، وفي أثناء بحثه للتحقق من تلك الشائعات، تواصل معه طبيب من داخل أحد مستشفيات مدينة قم في إيران، ليؤكد له الأخير الأمر. نشر الصحافي، ما توصل إليه من مصدره، في تغريدة على موقع «تويتر»، لكنه اختفى واختفت معه تغريداته بعد أقل من يوم من نشر هذه المعلومات.

قبل منتصف يناير الماضي؛ أنكرت وزارة الصحة الإيرانية ما تردد من شائعات تفيد بوفاة سيدة تبلغ من العمر 62 عامًا، في مدينة قم بعد إصابتها بـ«فيروس كورونا».  الحالة هذه التي نفتها وزارة الصحة؛ كانت الحالة نفسها التي تحدث عنها الصحافي الإيراني قبل اختفائه.

بعدها بأيام انشغلت المؤسسة السياسية وانشغل المواطنون في أخبار استبعاد مجلس صيانة الدستور أغلبية المرشحين، والحديث حول مقاطعة التصويت.

وفجأة قبل عقد الانتخابات البرلمانية بيومين، وتحديدًا يوم الأربعاء 19 فبراير (شباط) الجاري؛ أعلنت وزارة الصحة الإيرانية، وفاة أول حالتين بعد إصابتها بـ«فيروس كورونا» في مدينة قم. ومنذ ذلك اليوم، وحتى كتابة هذا التقرير، أعلنت إيران عن وفاة 15 شخصًا، وإصابة 95 آخرين.

من الممكن أن تكون تلك الأرقام غير دقيقة، والأرقام الحقيقية أكثر من ذلك، كما زعم البعض، لكن لا يستطيع أحد داخل إيران أو خارجها التأكد من هذا الأمر. فكما جرت العادة في الجمهورية الإسلامية؛ لا شفافية مطلقة في إعلان أرقام أي حادثة تمر بها البلاد.

)كورونا( ينتشر.. البداية من مدينة قم

بدأ انتشار «فيروس كورونا» في إيران من سابع أكبر المدن الإيرانية، مدينة قم الدينية. التي يبلغ عدد سكانها حوالي مليون و228 ألف نسمة، بحسب مركز الإحصاء الإيراني.

تعد مدينة قم ثاني أكثر المدن الإيرانية، بعد مدينة مشهد، استقبالًا للمسلمين الشيعة سواء كانوا إيرانيين، أم عربًا من البلدان المجاورة لإيران، من أجل زيارة الأماكن المقدسة لديهم.

تضم مدينة قم ضريح السيدة فاطمة المعصومة، ابنه موسى بن جعفر الإمام السابع لدى المسلمين الشيعة، ومسجد جمكران الذي يعد مقصدًا دينيًّا مهمًّا للزوار، بجانب أكبر الحوزات الدينية في إيران، ووفقًا لمركز التراث الثقافي في مدينة قم، يزور المدينة سنويًّا حوالي مليوني ونصف سائح أجنبي، و20 مليون سائح إيراني.

وتجدر الإشارة إلى أن مدينة قم الدينية، أصبحت أول مدينة تشهد حالات وفاة بسبب «فيروس كورونا» في الشرق الأوسط، وتسجل أعلى معدلات إصابة بالفيروس بعد الصين.

بينما صرح كيانوش جهانبور المتحدث باسم وزارة الصحة الإيرانية: «مات اثنان من كبار السن بـ«فيروس كورونا» في مدينة قم، بسبب نقص المناعة وتقدمهم في العمر». لكنه لم يقدم أي معلومات أخرى بخصوص جنس الضحايا أو أعمارهم.

لا صوت يعلو فوق صوت الانتخابات

في المؤتمر الصحافي لوزير الداخلية الإيرانية، عبد الرضا رحماني فضلي، يوم 21 فبراير بخصوص الانتخابات البرلمانية، سأله أحد الصحافيين «لماذا لم تؤجل الانتخابات البرلمانية في ظل انتشار «فيروس كورونا» في البلاد، أو على الأقل تأجيلها في مدينة قم»، أجاب الوزير بأن تأجيل الانتخابات من شأنه أن يعطل تشكيل البرلمان الجديد، ولكي يثبت أن الأمور ليست خطيرة في مدينة قم، قال «التصويت في قم وصل إلى 42%».

يقول صحافي إيراني لـ«ساسة بوست»، طلب عدم الكشف عن هويته أن الرئيس روحاني «طلب من وزارة الداخلية تأجيل الانتخابات في مدينة قم، لكن الوزير رفض بشدة هذا الأمر، مدعيًا أن وزارة الصحة أبلغته بأن الأمر لم يكن خطيرًا إلى هذا الحد».

نائب وزير الصحة ينفي تفشي «كورونا» في مدينة قم ويُصاب بالفيروس.

بعد أن سجل «فيروس كورونا» معدلات انتشار سريعة في إيران، وامتدت إلى مدن إيرانية أخرى، (على سبيل المثال ظهرت حالات إصابة بالفيروس في العاصمة طهران، ومدينة أراك القريبة من قم).

زعم أحمد أمير آبادي، النائب البرلماني عن دائرة قم، أن عدد الإصابات بـ«فيروس كورونا» في المدينة وصل إلى 50 حالة، واتهم الحكومة بالتستر على الأرقام الحقيقية.

فخرج نائب وزير الصحة إيرج حريرتشي لينفي تلك المزاعم بسرعة كبيرة، قائلًا «لا يملك أي أحد مؤهلات أن يصدر تصريحات بأرقام الإصابات، نحن فقط من نملك الأرقام الحقيقية، والوضع في قم مستقر تقريبًا»، وتجدر الإشارة إلى أنه وقت كتابة هذا التقرير، قد تأكد لنا إصابة نائب وزير الصحة إيرج حريرتشي بـ«فيروس كورونا».

أعراض الإصابة بالفيروس واضحة على نائب وزير الصحة الإيراني

محمود نبوي، أخصائي الأمراض المعدية، والأستاذ في جامعة شهيد بهشتي، يرى أيضًا أن مزاعم النائب البرلماني، مبالغ فيها، فيقول نبوي لـ«ساسة بوست»: «نعم المدينة تمر بظروف صعبة، وسجلت أعلى نسب إصابات بين المدن الإيرانية، لكن وزارة الصحة والأطباء هناك يبذلون كل الجهود، لاحتواء تفشي انتشار الفيروس».

لكن بعيدًا عن تصريحات مسئولي وزارة الصحة والأطباء، فالذعر قد تملك من السكان في مدينة قم، وتحدثت بعض المصادر الصحافية من داخل قم عن مغادرة السكان للمدينة، خوفًا من انتشار الفيروس.

القيادة العليا: لا للحجر الصحي.

في ظل الانتشار السريع لـ«فيروس كورونا» في إيران، طالبت مجموعة من الأطباء الحكومة بإغلاق المدارس، والجامعات، والمسارح، ودور السينما من أجل التصدي لهذا الانتشار، وطالبوا بإقامة حجر صحي كامل على مدينة قم. لكن الحكومة (حتى وقت كتابة هذا التقرير) رفضت ذلك.

وفي 22 فبراير، أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة التعليم، مسعود ثقفي، أنه سيجري إغلاق المدارس والجامعات، لحين الانتهاء من القيام بأعمال التطهير، والتدابير اللازمة. وفي الوقت نفسه أعلن وقف جميع الأنشطة التعليمية والثقافية في مدينة قم، دون اللجوء إلى الحجر الصحي على المدينة.

يقول مصدر مسئول في مقر إدارة الأزمات في قم، لـ«ساسة بوست»: «القيادة العليا ترفض أي حديث عن إقامة حجر صحي على المدينة، القيام بهذا الأمر، سيثير الرعب في نفوس جميع الإيرانيين، ويعرضنا لأزمات نحن في غنى عنها الآن».

يرى المصدر المسئول، أنه بإعلان الحجر الصحي على قم، سينتاب السكان الهلع والخوف، وسيتجمهرون أمام المتاجر والصيدليات، مما سيُحدث أزمات نقص في السلع الغذائية والأدوية، وسيرسل رسالة إلى باقي السكان في مختلف المدن أن الأمر أصبح كارثيًّا. ومن أجل ذلك اكتفى المسؤولون في قم، بإغلاق المدارس الدينية، وحظر تقبيل مرقد السيدة فاطمة المعصومة، دون إغلاقه تمامًا.

رجل دين في مدينة قم الإيرانية

المستشفيات «مؤهلة ومُجهزة» في الرواية الرسمية للدولة

بعد أن عقد العديد من الاجتماعات مع مسؤولين في مجلس مدينة طهران، والتقى بوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية، أن مرتضى رحمان زاده رئيس حي 13 بطهران، يخضع للعزل الصحي، بسبب شكوك بإصابته بـ«فيروس كورونا».

تروي إلهام فخاري، واحدة من أعضاء مجلس مدينة طهران، لجريدة «همشري» الإيرانية، تجربتها مع كورونا بعد أن انتابتها الشكوك حول احتمالية إصابتها؛ لأنها كانت من ضمن من اجتمع معهم رحمان زاده، قائلة «شعرت بإعياء شديد، وارتفاع في درجة الحرارة، فذهبت إلى أحد المستشفيات، وخضعت لاختبار مرتين».

لم تعلن إلهام صراحة إصابتها بالفيروس من عدمه، لكنها أسهبت في مديح تعامل الأطباء مع تلك الكارثة، وسرعة عمل وزارة الصحة في تأسيس أماكن في المستشفيات لعزل المصابين، وتوفير الأجهزة الطبية اللازمة بالرغم من العقوبات المفروضة على البلاد.

لكن في النهاية، تظل فخاري مسئولة في الحكومة، ولا تستطيع التصريح بشيء غير ذلك، أو على الأقل تلقت الرعاية الطبية الجيدة التي تجعلها تقدم كل هذا المديح.

على الجانب الآخر، هناك رواية أخرى، يرويها لـ«ساسة بوست»، طبيبة تعمل في مستشفى «يافت آباد» بالعاصمة طهران، شريطة عدم الكشف عن هويتها. تقول الطبيبة «الأمر يزداد صعوبة داخل المستشفى، ليس لدينا تجهيزات كافية، نفذت الكمامات الطبية والملابس الواقية، وعندما خاطبنا وزارة الصحة، لتوفير اللازم، لم ترسل لنا شيئًا حتى الآن».

وبحسب رواية الطبيبة الإيرانية، فإن المستشفى غير مؤهل لاستقبال الأمراض المعدية، فجرى تخصيص غرفتين أو ثلاث للمصابين بـ«فيروس كورونا»، مما أصاب المرضى العاديين بالذعر والخوف من العدوى.

هل العمال الصينيون هم السبب الوحيد لانتشار العدوى؟

إلى الآن لا يعرف السبب الحقيقي وراء انتشار «فيروس كورونا» الجديد في إيران، غير أنه بدأ من مدينة قم، وانتشر منها إلى باقى المدن الإيرانية، والبلدان العربية المجاورة.

الأمر الذي أثار مخاوف منظمة الصحة العالمية، من أن تصبح إيران مصدرًا للفيروس في الشرق الأوسط، خاصة بعد أن أعلن العراق ولبنان والإمارات العربية المتحدة، والكويت، تسجيل حالات إصابة بكورونا لمواطنين عائدين للتو من زيارة مدينة قم في إيران.

انتشرت الأحاديث عن أن السبب وراء انتشار كورونا في إيران هم العمال الصينيون الموجودون داخل الأراضي الإيرانية، خاصة بعد أن صرحت الطبيبة مينو محرز عضو جمعية الأمراض المعدية، بأن: «العمال الصينيين في قم هم مصدر انتشار الفيروس».

انتقد الكثيرون الحكومة الإيرانية، لعدم اتخاذها التدابير اللازمة بخصوص هذا الأمر، وعدم تعليقها الرحلات الجوية بين طهران وبكين، بعد انتشار فيروس كورونا. لكن الحكومة ردت على تلك الانتقادات، بأنه قد علقت بالفعل الرحلات الجوية في بداية شهر فبراير الحالي، لكن دون الحديث عن باقي المعابر الأخرى.

يقول الصحافي الإيراني لـ«ساسة بوست»: «تقول الحكومة إنها علقت الرحلات الجوية مع الصين، ولكن لم تقل شيئًا عن العمال الصينيين الموجودين في إيران، أو إخضاعهم للكشف الطبي بعد عودتهم من بلادهم مؤخرًا».

وتجدر الإشارة إلى أنه في بداية شهر فبراير الحالي، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، أنها قامت بإجلاء الطلاب الإيرانيين العالقين في مدينة ووهان الصينية المنكوبة، ووضعهم في الحجر الصحي. بينما يشكك البعض في ذلك، ويعتقدون أنهم سبب آخر لانتشار الفيروس في إيران.

آثار «كورونا» الاقتصادية تضاهي العقوبات الأمريكية

في خضم تلك الأخبار المتتالية عن تفشي «فيروس كورونا» في إيران، والتقارير المتسارعة، والتحذيرات المستمرة لتجنب الإصابة بالفيروس، أعلنت الحكومة الإيرانية توقف جميع الفعاليات الفنية والثقافية، وإغلاق دور السينما في عدد كبير من المقاطعات الإيرانية، ما تتسبب في خسائر مالية كبيرة للقطاع الثقافي والفني؛ فالناس تخشى الوجود في تجمعات كبيرة، ومن ضمن الأماكن التي يتجنبها الإيرانيون أيضًا في تلك الأيام، المطاعم والمقاهي.

يرى الخبير الاقتصادي آميد حسيني زاده، أن كورونا سيكون بمثابة ضربة كبيرة للاقتصاد الإيراني، ولن تقل شدة هذه الضربة عن العقوبات الأمريكية، فيقول لـ«ساسة بوست»: «في طهران فقط يوجد الآلاف من المقاهي والمطاعم، التي يعمل بها مئات الآلاف من العاملين، فجأة سيجدون أنفسهم عاطلين عن العمل، في ظل ظروف اقتصادية متدهورة بالفعل».

إلغاء رحلات بملايين الدولارات

كان من المفترض، بعد أقل من شهر أن يبدأ الإيرانيون في قضاء عطلة عيد النوروز، لكن بدلًا من الاستعداد لهذه العطلة التي يفضل الإيرانيون فيها السفر داخل إيران، بدأوا في إلغاء جميع رحلاتهم خوفًا من «فيروس كورونا».

فقد نشرت جريدة «همشهري» الإيرانية، أنه قد ألغيت رحلات بقيمة 20 مليون دولار في محافظة وحدة، وتلتزم السكك الحديدية، ووكالات السفر، وشركات الطيران بإعادة الأموال كاملة إلى المواطنين، لأن الإلغاء بسبب حالة الطوارئ في البلاد.

خسائر فادحة في قطاع الطيران المدني

بعد الانتشار السريع لـ«فيروس كورونا» في إيران، أوقفت بعض الدول رحلاتها الجوية إلى إيران، قال مسعود أسعدي ساماني رئيس جمعية الخطوط الجوية الإيرانية، لوسائل الإعلام؛ إن «جميع الخطوط الجوية العراقية، الكويتية، والأرمينية، أبلغت إيران بوقف رحلاتها الجوية من طهران وإليها، مما يتعين على شركات الطيران الإيرانية دفع تكاليف إلغاء الرحلات، وهذا الأمر سيعرض قطاع الطيران إلى خسائر فادحة».

مصائب الإيرانيين لا تأتي فرادى

يمكن القول إن الإيرانيين يعيشون الآن أصعب فترات حياتهم منذ عامين، خاصة بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الصفقة النووية. فمن وقتها وهم يتعرضون لأزمات متتالية، إلى أن وصلوا إلى «فيروس كورونا» الذي زاد همومهم.

فبعد أن كانوا يخوضون كل يوم محاولات مستميتة للبقاء على قيد الحياة، وتوفير المطالب اليومية الأساسية، باتوا يصطفون أمام الصيدليات لشراء الكمامات ومواد التطهير، خائفين في كل مرة يضطرون فيها للنزول إلى الشوارع.