فاروق يوسف
يبدو نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق مضحكا حين يتحدث في التاريخ. فهو يخلط بين الوقائع ويضم المتخيل إلى الواقعي في مرويات، لا تخفي أهدافها الطائفية التي يقف في مقدمتها تمزيق النسيج الاجتماعي في العراق وعزل الشعب العراقي عن محيطه العربي والإسلامي وإبقاء الباب الوحيد مفتوحا على إيران. وإذا ما عُلقت مشكلات العراق على الحبل الإيراني فإن الحل الإيراني سيكون مقنعا مهما كان سيئا. فلا حل سواه. ولا حل من غيره. وإن كان ليس حلا فعلى العراقيين أن لا يلتفتوا إلى أية جهة أخرى. كل الأبواب التي تفتحها حكوماتهم وهمية لأن تلك الحكومات لا تفعل ذلك إلا من أجل ذر الرماد في العيون كما يُقال. إيران تتحكم حتى بالهواء الذي يدخل إلى العراق من شباكها.
على سبيل المثال لا كهرباء في العراق إلا من خلال إيران. أما الحديث عن شركات الكهرباء العالمية والربط مع المملكة العربية السعودية فما هو إلا حديث مجالس تنتهي فاعليته حين تُرفع تلك المجالس. مستحقات إيران المتأخرة من العملة الصعبة لا يمكن أن تُسدد في سنة أو سنتين. سيكون على العراق أن يسدد ديونه إلى إيران. وهي ديون لا تنتهي ولا يمكن لأحد أن يتساءل بلغة الأرقام متى تنتهي. ذلك لأن من بداهات العملية السياسية في العراق أن تكون هناك ديون إيرانية في ذمة الدولة العراقية.
واقعيا يقوم العراق بالإنفاق على إيران. يسدد النقص في موازنتها. ولأن إيران تنفق على ميليشياتها في المنطقة وفي مقدمتها حزب الله (اللبناني) فإنها وجدت في العراق منقذا لها من جهة استعداده للإنفاق من غير أن يتعرض لمساءلة قانونية بسبب العقوبات المفروضة على إيران. ليس من الصعب الالتفاف على تلك العقوبات. لا كهرباء في العراق إلا حين يسدد ديونه التي تذهب قيمتها إلى الميليشيات. فبعد أربعين سنة صارت للمقاومة الإسلامية خبرة في تهريب وغسيل الأموال. هناك أنفاق تظل مفتوحة دائما برغم كل ما يُقال عن الصرامة الأميركية في تنفيذ العقوبات. ظل الباب العراقي مفتوحا على إيران.
نوري المالكي هو أشبه بالعميل المزدوج، أميركيا وإيرانيا، فهو موقع ثقة بالنسبة للطرفين. رأت الولايات المتحدة فيه حين وقع الاتفاقية الأمنية معها رجلها في العراق وحين سلم أجزاء من العراق للتنظيم لإرهابي "داعش" احتضنته إيران باعتباره رجلها بعد أن كان قد ضخ في الخزانة الإيرانية عشرات المليارات من الدولارات. وفي الحالين كان الطرفان على درجة الرضا نفسها منه. حين أنقذته إيران من مواجهة مسؤولية انهيار الجيش العراقي أمام تنظيم داعش لم تقل الولايات المتحدة كلمة وهي التي قامت بحماية ما تبقى من الأراضي العراقية.
سيُقال دائما إن أسوأ ما فعلته الولايات المتحدة أنها اختارت رجلا مثل نوري المالكي لقيادة العراق بعد المرحلة المؤقتة. ثمان سنوات من الحكم وهبته فرصة ذهبية لبناء دولته على أنقاض الدولة العراقية التي حُرمت من أن ترى النور حتى اللحظة. ربما أعجب الأميركان بشخصية المالكي لأنه يملك دهاء وخبثا غير محدودين ولم يكن يعنيهم في شيء أن الرجل عبارة عن لغم طائفي مسموم. لن يكذبوا على أنفسهم. النظام الطائفي الذي أقاموه في العراق سيكون في حاجة دائمة إلى رجل مريض بالطائفية مثل المالكي.
لينفجر ذلك اللغم في أي وقت، فليست الولايات المتحدة ولا إيران معنيتين به أو بضحاياه. لقد أجاد القيام بعمله. عرف كيف يصنع من التفاهات مادة لصراع بين الجهلة. فيما كان الآخرون من طينته يديرون آلة الفقر والجهل والشعوذة والخرافة خدمة لدولته التي اتسعت من خلالها امبراطورية فسادهم. لقد خدم المالكي الجميع، شيعة وسنة وأكرادا بشرط أن يعملوا على إبقاء باب العراق مفتوحا على إيران، وهو ما لم يكن ضروريا له إلا من أجل أن لا يغادر منطقة التسوية الأميركية ــ الإيرانية.
كل ذلك لم يصنعه المالكي بنفسه فهو رجل جاهل لم يقرأ إلا جزءا من أدبيات سيد قطب. المالكي هو لقية أميركية قبل أن يكون اكتشافا إيرانيا. لن يتردد في الكذب والتلفيق وهو يعرف أن أسياده استعملوه في لحظة سوء فهم. خطأ هنا أو هناك لا يضر ما دام الكلام الطائفي يؤدي دوره في إشعال الفتنة. دمر المالكي أشياء عزيزة في العراق منها الدولة والجيش ولا يزال رأس الفتنة. شباك إيران وباب العراق نوري المالكي هذا.